للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُلَيْم إلا أقلها، وهي التي كانت تؤذي الناس بالطريق، وقد احتبس بغا عنده زهاء ألف رجل من بني سُلَيْم وهم الذين وُصِفُوا بالشر والفساد، وَخَلَّى سبيل سائرهم، وسار بمن معه من الأسرى صوب المدينة في ذي القعدة سنة ٢٣٠ هـ، فحبسهم بها في الدار المعروفة بيزيد بن معاوية، ثم حج في ذي الحجة، وتجول في بعض ديار الأعراب الذين اعتادوا العبث في البلاد، ثم انصرف إلى المدينة وحبس من أخذه من بني هلال بن عامر من هوازن في دار يزيد بن معاوية أيضًا مع السُّلَميين، وسار بغا إلى بني مُرة وفزارة من غطفان بحرَّة فَدَك وفي حبس المدينة نحو من (١٣٠٠) رجل من بني سُلَيْم وهلال، فنقبوا دار الحبس فعرف الناس في المدينة بصنيعهم وتجمعوا عليهم، وكان عاملُ المدينة - أميرُها - يومئذ هو عبدَ الله بن أحمد بن داود الهاشمي، وحاصروهم حول الدار حتى أصبحوا، وكان وثوب السُّلَميين عشية الجمعة؛ وذلك أن القائد السُّلَمي عُزيزة بن قطَّاب قال لهم: إني أتشاءم بيوم السبت، واعتقب أهل المدينة قتالهم وقاتلتهم بنو سُلَيْم، فظهر عليهم أهل المدينة وقتلوهم جميعًا، وكان عُزيزة يرتجز ويقول:

لابُدَّ من زَحْمٍ وإن ضاق البابْ … إني أنا عُزيزةُ بنُ قَطَّابْ

للْموْتُ خير للفتى من العَابْ … هذا وَرَبِيّ عمل للْبَوَّابْ

ويقال: إنَّ بواب الحبس أخذ منهم رشوة لإطلاق سراحهم، وهذا ما يشير إليه البيت الأخير من رجز عُزيزة، وقد فك عُزيزة قيده فرمى به رجلًا فخر صريعًا، وكان عُزيزة بعد أن قُتِل أصحابه صار إلى بئر فدخلها فدخل عليه رجل من أهل المدينة فقتله، وَصَفَّ بغا قتلى بني سُلَيْم على باب مروان بن الحكم بعضها فوق بعض!

وكان مُؤذن أهل المدينة قد أذَّن ليلة حراستهم لبني سُلَيْم بِلَيَّلٍ، ترهيبًا لهم بطلوع الفجر وأنهم قد أصبحوا، فجعل بنو سُلَيْم يضحكون ويقولون: "يا شَرَبَةَ السَّوِيق! تعلموننا بالليل ونحن أعلم به منكم"، فقال رجل من بني سُلَيم:

متى كان ابن عباس أميرًا … يَصِلُّ لِصَقْل نابيه صَريفُ

يَجُورُ ولا يَردّف الجَوْرَ عنه … ويسطو ما لِوَقْعَتِهِ ضعيفُ

وقد كنا نَرُدُّ الجور عنَّا … إذا انْتُضِبَتْ بأيدينا السُّيوفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>