للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أميرُ المؤمنين سما إلينا … سُمُوَّ الليث سار من الغريف

فإن يَمنُنْ فَعَفْوَ الله نرجو … وإن يَقتُل فَقَاتِلْنا شريف (١)

والدور الثامن من أدوار تحركات بني سُلَيْم، هو دور اضطراب أمرهم وهبوط مكانتهم الاجتماعية حينما اتصلوا بالقرامطة وآزروهم، وساروا معهم في احتلالهم لديار الشام، كان هذا الدور من أسباب متاعبهم في الداخل والخارج، إذ أغضب عليهم حاكم مصر، وربما أغضب غيره من الحكام آنذاك، وزاد، الطينة بَلةً، انتِقالُهُم مع القرامطة في عودتهم الإجبارية إلى البحرين، بعدما أُجْلُوا عنوةً عن بلادَ الشام بحد الحسام (٢). وكان بنو سُلَيْم ذوي عدد كبير، ربما كان يفوق عدد بني هلال (٣)، وقد اجتمع عليهم بنو عُقيْل بن كعب من بني عامر من هوارن، وبنو تغلب، فأخرجوهم من البحرين بأخرَةٍ، وإذا أخذنا بالرأي القائل: إن العُبيديين بمصر قد رأوا استغلال طاقة عربان بني سُلَيْم، وبني هلال (هوازن) الحربية الكبيرة في مشروعاتهم السياسية والحربية، فأوعَزوا إليهم بالنزوح من البحرين إلى مصر، بعد انتهاء أمر القرامطة، وقبل إخراج بني عُقيل، وبني تغلب لمن تبقى منهم في البحرين - فإننا نرى في ذلك ثغرة فتحها العبيديون و إيسفينًا دقوه لإضعاف شوكتهم وشوكة خصمهم السياسي "المعز بن باديس" في أفريقية الشمالية معًا. وهكذا صَادَ العبيديون - بضربتهم هذه البارعة المزدوجة - عصفورين بحجر واحد، وأثبتوا براعتهم السياسية وحنكتهم ودهاءهم، ولله در المتنبي حين يقول:

الرأيُ قبل شجاعة الشجعان … هو أولٌ وهي المحل الثاني

ونلمح الدور التاسع من أدوار تطورات حياة بني سُلَيْم في ديارهم الأولى، إذ يبدو أنهم بعد حملة التأديب البغدادية الكبرى راجعوا أنفسهم، وأقلعوا فترة من الزمن عن أعمال السلب والنهب وقطع طريق الحاج المار بديارهم، ولعل ذلك كان بضغط شديد أو بتوجيه حكيم من دار الخلافة، فازدهرت بلادهم بعض الشيء وعمرت وأصلحت، واتسعت جوانبُ الحياة في مدنهم وأمَّها الناس للتجارة


(١) تاريخ الطبري، ص ٣٢٢ - ٣٣٥، الجزء السابع، طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
(٢) القبائل العربية في إقليم عصر الولاة، للدكتور عبد المجيد عابدين، ص ١٢٦، طبعة القاهرة، سنة ١٩٦١ م.
(٣) المصدر نفسه، ص ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>