للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستثمار من كل صوب، وربما ضُربت بها السكة الذهبية وغيرها لوجود المعادن لديهم، وقد ظهر لنا أثر هذا العمران الطارئ من قراءتنا للحجر الأثري الذي جلبه من بلادهم مباركُ بن عبد التواب السُّلَمي حيث ورد فيه ما يومئ إلى بعض ذلك، وقد كان هذا الحجر على ما يبدو - منصوبًا في طريق الحاج في داخل ديار بني سُلَيْم (١).

ويأتي الدور العاشر لهم ممثلًا في نقلهم بصورة جماعية من الديار المصرية إلى الديار المغاربية هم وبني عمومتهم بني هلال (٢)، وهي قصة مسرحية محبوكة أجاد حبك فصولها وإخراجها الوزير الداهية (محمد الحسن بن عبد الرحمن اليازوري) الفلسطيني وزير المستنصر العبيدي، المتوفي سنة (٤٥٠ هـ - ١٠٤٨ م) قتيلًا، وخلاصة هذه القصة أن (المعز بن باديس) واليَ إفريقية البربري، من قبل الدولة العبيدية مال بِكُلِّيَّته إلى أهل السُّنة، وإلى الدولة العباسية، وخلع شعارات الفاطميين فأحفَظَ ذلك عليه المستنصر العبيدي بمصر، فشاور وزيره (اليازوري) في الأمر، فأشار عليه بأن يأذن لبني سُلَيْم وبني هلال المقيمين بمصر بالسفر إلى إفريقية، وأن يكرمهم ويغدق عليهم الأموال ليُقوِّضوا دولة المعز بن باديس في إفريقية (٣)، وذلك بأن يوعز إليهم بأنه قد ولَّاهم شئون إفريقية ووكلهم عليها وكالة مطلقة، ويتصرفون فيها تصرف المُلَّاكِ في أملاكهم (٤)، وقد تفاهم الرجلان على


(١) للاطلاع على التحقيق الذي قام به المؤلف حول ذلك الحجر بعد قراءته له، ينبغي مراجعة كتاب؛ "بين التاريخ والآثار" لعبد القدوس الأنصاري.
(٢) فهم بنو هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور، ويلتقون مع بني سُلَيْم في منصور بن عكرمة - والد سُلَيْم وهوازن.
(٣) جاءت في ديوان ابن جيوس (٣٩٤ - ٤٧٣)، الجزء الثاني بالصفحة ٤٩٠ إشارة شعرية واضحة إلى هذه المكيدة السياسية البارعة التي قضت على دولة المعز بن باديس في إفريقية، وذلك في قوله يخاطب اليازوري في قصيدة مدحه بها ابن جيوس:
أنخت بصنهاجة النائبات … ففات زعيمهم ما أمل
فمن عصب عصبتها الحرو … ب من ثلل قد محاها الثلل
وكان يسمى معزًا فمذ … تحديته صار يدعى مذل
و (الثلل) الأولى - بضم الثاء - بمعنى الجماعات. و (الثلل) الثانية - بفتح الثاء - بمعنى الهلاك.
(٤) في إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، لأحمد بن أبي الضياف التونسي، ذكر اليازوري وحيلته في ترحيل بني سُلَيْم وبني هلال لمعاركة المعز بن باديس باسم المستنصر. وفي كتاب الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى، أن الوزير اليازوري قال للهلاليين والسُّلَميين: (قد أعطيناكم المغرب وملك ابن باديس العبد الآبق، فلا تفتقرون بعدها). ص ١٤٨، طبع الدار البيضاء بالمغرب الأقصى.

<<  <  ج: ص:  >  >>