للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك وعلى كيْفِيَّة تنفيذ هذه الخطة البارعة، وعهد المستنصر العبيدي إلى "اليازوري" بأمر تنفيذها بحكمة وإصرار. وهكذا انطلق بنو سُلَيْم ومن معهم من الأعراب صوب إفريقية، يَقتُلُون ويقاتلون حتى وصلوا إلى "المعز بن باديس" فحاول استمالتهم بأن أصهر إليهم فزوج بعض بناته لبعضهم، ولكن هذه الحيلة لم تنطل عليهم، فاستمروا في تنفيذ المخطط الذي رُسم لهم حرفيًّا، وخاصة أن فيه ما يتفق ورغباتهم في السيطرة والحكم، وكان أن شددوا القبضة على المعز وأرهقوه من أمره عُسْرًا، ثم أجلوه آخر الأمر عن القَيْرَوان سنة ٤٤٩ هـ ودخلوها متتصرين، وتم ذلك لهم على ما خططه اليازوري وقدَّره، ثم استولوا في مدة وجيزة على ضواحي إفريقية، ونازلوا أمصارها وأخذوا الإتاوة من أهلها.

ويعلل الدكتور حسن إبراهيم حسن ما عمله المستنصر مع المعز بن باديس من نكاية، بأنه انتقام مقصود من بني زيري الذين خرجوا عليه برغم ما أسداه آباؤه لهم من مَكَارِم، فأطلق عليهم قبائل الرياحية والزغبية من بني هلال وبني عوف من سُلَيْم، وقد أوقعوا بالمعز بن باديس في موقعة حيدران سنة ٤٤٣ هـ، ومعنى ذلك أن زحف العرب استغرق أربع سنوات (٤٤٠ - ٤٤٣ هـ) ودخلوا القيروان وخربوها وأتوا على تراثها الزاهر، وضعف مُلكُ بني زيري بعد ذلك حتى لم يعد يجاوز أسوار مدينة المهدية، وقد سُرَّ المستنصر لهزيمة الزيريين، إذ استطاع أن ينتقم لنفسه منهم، وعبر عن سروره في الرسالة التي بعث بها إلى علي بن محمد الصليحي صاحب اليمن (١).

ويذكر قول ابن خلدون أن بني سُلَيْم استولوا على برقة، كما يذكر أن منهم بالصعيد والفيوم والبحيرة خلقًا كثيرًا، وكان ذلك على ما يظهر في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين.

وفي هذا الدور العاشر الذي تعاظم فيه شأن بني سُلَيْم كان لهم "وزن سياسي مرموق" في إفريقية، فيذكر التاريخ أن الأمير أبا يحيى زكريا بن الأمير أبي العباس أحمد بن اللحياني الحفصي، بعث بعد انصرافه من الحج عام ٧١١ هـ - محمد المزدوري - بين يديه - مع أشياخ من الكعوب من علَّاق بن عوف بن بُهْثَة


(١) تاريخ الإسلام السياسي والديني والاجتماعي، للدكتور حسن إبراهيم حسن، ص ٢٣٩، المجلد الرابع، نشر مكتبة النهضة المصرية، ١٩٦٧ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>