السلبية تجاه بني سُلَيْم وبني هلال والعرب جميعًا، وأساس العقدة لديه - لما جاز إليها بنو هلال بنو سُلَيْم منذ أول العقد الخامس من المائة الخامسة بعد الهجرة، وتمرَّسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين، قد لحق بها وعادت بسائطه خرابًا كلها، بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي - البحر الأبيض المتوسط - كله عُمْرانًا، تشهد بذلك آثار الْعُمران فيه من المعالم، وتماثيل البناء، وشواهد القرى والمدر" (١).
ووقائع التاريخ والعمران العربي تهدم هذه النظرية، وإن شئت فَاقْرأ ما حواه مثلًا كتاب "حضارة العرب" لغوستاف لوبون، وغيره من الكتب المعتبرة التي تصف لنا العمران العربي في هذه الأرض كنخبة الدهر في عجائب البر والبحر، وكمعجم البلدان لياقوت الحموي، وغيرها وغيرها .. وأخيرًا كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب" للمستشرقة الألمانية زيفريد هونكه.
ومع وَضْعنَا في حسابنا ما حدث للمغرب من قلاقل واضطرابات وتدهور منذ القرن الخامس الهجري، فإنه يجب أن نضع في حسابنا أيضًا - للإنصاف والعدل - أنه ليس كل ما اعترى المغرب العربي من ذلك، من صنع أيدى عرب بني سُلَيْم وبني هلال، وليس كل ما اعترى بلاد المشرق أيضًا من صنع ظُلَّام حكام العرب ولا من عبث أعرابهم، ولا من انتقاض بعضهم على بعض، يجب - في هذا الموقف - أن نضع في حسابنا أيضًا - تلك الغارات الخارجية المتواترة كالفيضانات أو كالسيول الجارفة على المشرق من التتر والإفرنج، كما أن للإفرنج يدًا في خراب ديار المغرب بغزواتهم البحرية الاستعمارية له، فبغداد حاضرة العالم المتمدين في عهد عظمتها الباهرة قد دمرتها معاول التتر قبل عصر ابن خلدون، وأغرقوا تراثها العلمي العظيم في نهر دجلة، وهم قد أغاروا كذلك على الشام ومصر وعاثوا في الأرض فسادًا، وجاء بعدهم الصليبيون الحاقدون على حضارة الإسلام فزادوا الدمار والخراب دمارًا وخرابًا، وابن خلدون العالم الاجتماعي الواسع النظر لا تخفى عليه هذه الحقائق فكان من الملائم لقواعد العلم الاجتماعي الذي عكف على استنباطه أن يضع كل هذا في ميزان حسابه قبل أن يصدر حكمه الصارم على العرب بأنهم أمة غير قابلة ولا مستعدة للعمران.