عدا الجيوش العربية الفاتحة من المهاجرون والأنصار، وعدا أولئك الذين انتقلوا من القبائل والأُسَر العربية إلى بلاد المشرق والمغرب من مختلف الأقطار العربية، وعدا أولئك الذين ظلت الجزيرة العربية تُغَذِّي بهم هذه البلاد طوال العصور في هجرات مستمرة نحو الغرب والشرق)، وزاد الموضوع تحليلًا وإيضاحًا حينما تحدث وضرب مثلًا لاستعجام العرب وأسباب إخفائهم لأنسابهم عمدًا، خوفًا من سيف الانتقام المُصْلَتِ على رقابهم، بما حدث في دولة "المغول" في عهد جنكيز خان، إلى احتلال هولاكو لبغداد، حيث مَحَوْا أكثر بلدان الشرق وأقطاره محوًا تامًّا وأزالوا مُدُنًا لم تقم لها قائمة، وقتلوا علماءها وأهلها ولم يَنْجُ منها إلا أفراد قلائل. وتعاقب على الحكم بعد المغول أمم لا تَمُتُّ إلى الثقافة العربية ولا إلى النسب العربي بصلة، وكان أثرهم كبيرًا في طمس معالم الحضارة العربية، وفي إظهار الألقاب الأعجمية للعرب في مكان الألفاب العربية لهم. ثم ساق المؤلف أمثلة كثيرة من الألقاب الأعجمية التي تطلق على أفراد عرب معروفة عروبتهم في التاريخ، إمَّا جريًا على سَنَنِ أولئك الأعاجم، أو خوفًا وحَذَرًا من بروز أنسابهم العربية فيتعرضون للمهانة، وما هو أكبر من المهانة في أجواء لا تتفق واتجاهاتهم، وذكر أنسابهم الصحيحة الكامنة.
وبعد أن ساق عشرات الأمثلة على نظريته هذه، دخل إلى صلب الموضوع فأشبعه تحليلًا وإيضاحًا وتركيزًا، قال:(وقد ساعد الانتساب إلى المدن الأعجمية أو الإسلامية وحتى العربية، أو الحرف والصناعات والوظائف أو الفرق الدينية أو الطوائف المذهبية، أو إلى الرجال والنساء، على تحاشي النسب الحقيقي عند الأزمات الحادة، أو في أثناء بعض الظروف السياسية الحرجة التي كانت تواجه الأمة)، إلى أن قال:(وكان طبيعيًّا أن يخفي الناس أنسابهم في مثل هذه الظروف القاسية، ويحاولو الاختفاء في المدن النائية، وينتسبون إلى المدن أو الْحِرَفِ أو الصناعات إلخ)(١).
ولقد كان إظهار النسب العربي في عهد ساد فيه الأتراك والبويهيون من الأمور الصعبة التي تُعرِّض أصحابها إلى المطاردة، أضف إلى ذلك أن البويهيين