للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سنة ١٢٥٨ هـ أو بعدها في سنة ١٣١٠ هـ، والذي دعاني إلى هذا الرأي أن عرب بني سُلَيْم الواغلين في داخل الجزيرة العربية بين الجبال والحِرار كانت لغتهم سليمة من اللحن فصيحة بالسليقة في عام ١٩٥ هـ وفي عام ٣١٥ هـ كما هو معروف وقلما يلحنون، فهذا عرَّام بن الأصبغ السُّلَمي المتوفي في نحو ٢٧٥ هـ - ٨٨٨ م هو أعرابي سُلَمي ذو لغة فصيحة بالسليقة، وقد ألف كتابًا صغيرًا يعتبر (وثيقة من أهم الوثائق البلدانية وأُمًّا من أمهات المراجع الأصلية) (١).

وهذا الأزهري الإمام اللغوي المعروف المتوفي سنة ٣٧٠ هـ أي بعد كتابة أصل الوثيقة السُّلَمية بمائة وخمس وثمانين سنة، يفيدنا بأنه وقع في أسر الأعراب وهو في طريقه إلى الحج أيام فتنة القرامطة سنة ٣١٢ هـ بعهد المقتدر العباسي، وكان الذين أسروه من الأعراب من هوازن - (أبناء عمومة سُلَيْم) المجاورين لهم، ويصف لنا هؤلاء الأعراب الذين وقع في أسرهم يقوله: (يتتبعون مسياقط الغيث أيام النّجع، ويرجعون إلى أعدادِ المياه في محاضرهم زمان القيظ، ويرعون النَّعم ويعيشون في ألبانها، ويتكلمون بطباعهم البدوية وقرائحهم التي اعتادوها، ولا يكاد يقع في منطقهم لحْنٌ أو خطأ فاحشٌ)، ويقول بعد ذلك: (وكنا نتشتى الدهناء ونتربع الصمَّان ونتقيَّظُ الستَّارين، واستفدت من مخاطباتهم ومحاورة بعضهم بعضًا ألفاظًا جمة ونوادر كثيرة، أوقعت أكثرها في مواقعها من الكتاب، وستراها في موضعها إذا أتت قراءتُك عليها إن شاء الله) (٢).

ومحل الشاهدان هنا أمران: أحدهما إثبات الأزهريُّ أن أعراب بادية الحجاز ونجد في سنوات أَسْرِه: ٣١٢ هـ وما بعدها وفي إحداها: (٣١٥) كان التجديد الأول للوثيقة السُّلَمية ومن قبلها كانت كتابتها لأول مرة أي بسنة (١٩٥ هـ) كانوا فصحاء بالسليقة، واللحق فيهم نادر قليل. والأمر الثاني اعتماد الإمام الأزهري النقل عنهم، واتخاذ لغتهم مرجعًا عربيًّا فصيحًا معتمدًا، ونحن نلاحظ "بَدَاهةً" في نص الوثيقة السُّلَمية التي بين أيدينا أنها غير فصيحة العبارات، وعباراتها كلها عامية ملحونة تقريبًا وفيها لحن فاحش، ومع ذلك نرى فيها بعض أسماء وكلمات


(١) الأعلام للزركلي، ص ١٤، المجلد الخامس، الطبعة الثالثة ببيروت، ومقدمة كتاب "أسماء جبال تهامة وسكانها" لعبد السلام محمد هارون، ص ١٠.
(٢) تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، ص ٧، طبع مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>