للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان خيرًا لَمْ أُسبَقْ إليه، وإن كان شرًا أبصرته لخزلته - لخذلته - إلخ). ثم سار إلى النَّبِيّ، وانتهى الراعي نحو إبله فأتي امرأته حبيبة السُّلَمية، فأخبرها بالذي كان من أمر زوجها العباس، ومسيره إلى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقامت فقوضت بيتها ولحقت بأهلها (١).

وقد ذكرنا فيما سلف أن العباس شاعر، والشاعر مرهف الشعور، يسجل بريشة شاعريته، عواطفه وانفعالاته وأحواله الفكرية والنفسية والاجتماعية، ولهذا لا غرو أن نرى العباس بن مِرْدَاس يسجل لنا بشعره قصة دخوله في الإسلام من أولها إلى آخرها، ووجود القصة في شعره مما يؤكد وقوعها وأنها ليست من صنع الرواة، قال:

لَعْمَرِيَ إني يوم أجْعلُ جاهدًا … "ضمادًا" لرب العالمين مشاركًا

وتركي رسولَ الله، والأوسُ حوله … أولئك أنصار له، ما أولئكا

كتارِكِ سَهْلِ الأرض والحَزنِ يبتغي … لَيَسْلُكَ في غيب الأمور المسالكا

فآمنتُ باللّه الذي أنا عبده … وخالفتُ من أمسى يريد الممالكا

ووجهتُ وجهي نحو مكة قاصدًا … وتابعتُ بين الأخشبين المُبَاركَا

نبيٌّ أتانا بعد عيسى بناطق … من الحق فيه الفصل منه كذلكا

أمينًا على الفرقان أوَّل شافع … وآخِرَ مبعوثٍ يُجيبُ الملائكا

تَلَافَى عُرَا الإسلام بعد انفصامها … فَأحْكَمَها حتى أقام المناسكا

رأيْتُكَ يا خير البرية كلها … تَوَسَّطْتَ في القربى من المجد مالكا

سبقتهمُ بالمجد والجود والعلا … وبالغاية القصوى تَفُوتُ السَّنابِكا

فأنت المصُفَّى من قريش إذا … غلاصِمُها تُبْقِي القرومَ الفْوَارِكا

وكان قدوم العباس بن مِرْدَاس على النَّبِيّ في المدينة وهو يريد المسير إلى مكة لفتحها، فواعده رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قديدًا، وقال: (القنا أنت وقومك بقُديد) فلما نزل


(١) الأغاني - للأصفهاني، ص ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>