للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لَمْ يقل ذلك، ولا والله ما أنت بشاعر، ولا ينبغي لك الشعر وما أنت براوية، قال: فكيف؟ قال: فأنشده أبو بكر - رضي الله عنه، فقال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هما سواء، لا يضرك بأيهما بدأت: بالأقرع أم بعيينة. وقال رسول الله: اقطعوا عني لسانه، وأمر بأن يعطوه من الشَّاءِ والنَّعَمِ ما يرضيه، ليمسك، فأُعْطِيَ (١)، وهكذا كان العباس من المؤلفة قلوبهم.

ويقول عبد البديع صقر: إن العباس بن مِرْدَاس وُلِدَ في عهد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٢)، ولم أر هذا القول لغيره فيما لديّض من المراجع، فإنها تكتفي بأن تقول: إنه مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم.

ومن رأيي أنه إذا كان قول عبد البديع صقر مطابقًا للواقع فلابد أن يكون مولد العباس في الحقبة التي سبقت البعثة النبوية إما بقليل أو أكثر من القليل، وذلك لأننا نعرفُ العباس بن مِرْدَاس، وهو فارس وشاعر في عام فتح مكة، ونعرفه قبل ذلك بطلًا معلمًا خاض المعارك مع خُفاف بن ندبة السُّلَمي، وقال في حروبه معه شعرًا نشرنا شيئًا منه، وعام الفتح هو السنة الثامنة للهجرة - بين الفتح ومولد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقبة من الزمن هي واحد وستون عامًا، فإذا كان عباس بن مِرْدَاس ولد في حياة الرسول فمولده - على ما نقدر - في العقد الثاني من عمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومعنى هذا أنه كان وقت البعثة شابا مكتمل الشباب، وسنه حول العشرين عامًا، وعندما كان الفتح وهو بعد البعثة بواحد وعشرين عامًا كان في آخر أيام شبابه، فهو يومئذ يقف على عتبة الكهولة والنضج، ونحن نراه قبل الفتح زوجًا لحبيبة السُّلَمية التي لَمْ ترضَ عن تحوله إلى الإسلام، فارتحلت عنه وهجرته مفارقة له، ونحن نراه قبل الفتح ذا خيل وإبل ولأنْعَامِهِ راعٍ خاص بها، كما نراه قبل إسلامه سادنًا للصنم الذي كان والده يرعاه وقد أوصاه به وبعبادته بعد وفاته ففعل، ومن كان كذلك لابد أن يكون رجلًا يتحمل المسئوليات ويؤثل الأموال ويعهد إليه بالمهام؛ ونحن نرى أن الحرب التي نشبت بينه وبين خُفاف، نشبت بعد البعثة النبوية وقبل فتح مكة، وقد كانت رحاها تدور بينهما قبل إسلامه وقبل إسلام


(١) الأغاني - لأبي الفرج الأصفهاني، ص ١٢١ - ١٢٦، الجزء الثالث عشر، القسم الأول.
(٢) شاعرات العرب، ص ٦٢، منشورات المكتب الإسلامي ببيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>