للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العباس بن مِرْدَاس يهجو خُفاف بن دبة السُّلَمي، وطالما تلاحيا وتهاجيا وتقاتلا في جاهليتهما:

أراني كلما قاربت قومي … نَأوا عَنِّي وقَطْعُهُمُ شديدُ

سَئِمْتُ عتابهم فصفحتُ عنهم … وقلتُ: لعل حلمهمُ يعودُ

وعَلَّ الله يمكن من خُفَافٍ … فأسقيه التي عنها يحيدُ

بما اكتسبت يداه وجَرَّ فينا … من الشحنا التي ليست تبيدُ

فإنِّي لو يؤدبني خُفَافٌ … وعَوْفٌ والقلوب لها وقودُ

وإني لا أزال أريد خيرًا … وعند الله من نعم مزيدُ

فضاقت بي صدورهم وغُصَّتْ … حُلُوقٌ ما يبض لها وريدُ

متى أبعدْ فشرهمُ قريب … وإن أقْرُبُ فَوُدَّهُمُ بعيدُ

أقول لهمْ وقد لهجوا بشتمي … ترقوا يا بني عوف وزيدوا

فما شتمي بنافع حَيِّ عَوْف … ولا مثلي بضائره الوعيد

فما أدري وما يدريه عَوفٌ … أينفعني الهبوط أم الصعود؟

أتجعلني سَرَاةُ بني سُلَيْم … ككلب لا يهر ولا يصيد

كأني لَمْ أقُدْ خيلًا عتاقًا … شوازِبَ مثلُها في الأرض عود

أُجَشِّمُها مَهَامِهَ طامسات … كان رمال صحصحها قعود

عليها من سراة بني سُلَيْم … فوارس نجدة في الحرب صيد

فأُوْطِئُ مَنْ تريدبني سُلَيْم … بكلكلها ومَن ليست تريد (١)

تلوح من هذه القصيدة من شعر عباس بن مِرْدَاس مسحة من الألم المكبوت، وشكوي مكنونة من الاستخفاف به الذي لمسه من بني قومه - وربما كان ذلك منهم إبَّان القتال الناشب بينه وبين ابن عمه "خفاف" - وهو يذكر هنا أسماءً معينة، يوجه إليها قوارص العنب واللوم والتقريع جزاء شتمهم له، وهؤلاء هم:


(١) ديوان العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي، ص ٤٢ و ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>