وقال العباس بن مِرْدَاس يهجو خُفاف بن دبة السُّلَمي، وطالما تلاحيا وتهاجيا وتقاتلا في جاهليتهما:
أراني كلما قاربت قومي … نَأوا عَنِّي وقَطْعُهُمُ شديدُ
سَئِمْتُ عتابهم فصفحتُ عنهم … وقلتُ: لعل حلمهمُ يعودُ
وعَلَّ الله يمكن من خُفَافٍ … فأسقيه التي عنها يحيدُ
بما اكتسبت يداه وجَرَّ فينا … من الشحنا التي ليست تبيدُ
فإنِّي لو يؤدبني خُفَافٌ … وعَوْفٌ والقلوب لها وقودُ
وإني لا أزال أريد خيرًا … وعند الله من نعم مزيدُ
فضاقت بي صدورهم وغُصَّتْ … حُلُوقٌ ما يبض لها وريدُ
متى أبعدْ فشرهمُ قريب … وإن أقْرُبُ فَوُدَّهُمُ بعيدُ
أقول لهمْ وقد لهجوا بشتمي … ترقوا يا بني عوف وزيدوا
فما شتمي بنافع حَيِّ عَوْف … ولا مثلي بضائره الوعيد
فما أدري وما يدريه عَوفٌ … أينفعني الهبوط أم الصعود؟
أتجعلني سَرَاةُ بني سُلَيْم … ككلب لا يهر ولا يصيد
كأني لَمْ أقُدْ خيلًا عتاقًا … شوازِبَ مثلُها في الأرض عود
أُجَشِّمُها مَهَامِهَ طامسات … كان رمال صحصحها قعود
عليها من سراة بني سُلَيْم … فوارس نجدة في الحرب صيد
فأُوْطِئُ مَنْ تريدبني سُلَيْم … بكلكلها ومَن ليست تريد (١)
تلوح من هذه القصيدة من شعر عباس بن مِرْدَاس مسحة من الألم المكبوت، وشكوي مكنونة من الاستخفاف به الذي لمسه من بني قومه - وربما كان ذلك منهم إبَّان القتال الناشب بينه وبين ابن عمه "خفاف" - وهو يذكر هنا أسماءً معينة، يوجه إليها قوارص العنب واللوم والتقريع جزاء شتمهم له، وهؤلاء هم:
(١) ديوان العباس بن مِرْدَاس السُّلَمي، ص ٤٢ و ٤٣.