ثم يعود ليُفَصِّلَ موقف الجانبين المتساوي إزاء بعض في حومة الوغى فيقول:
إذا ما شددنا شَدَّةً نَصَبُوا لها … صدور المَذاكي والرِّماح المداعسا
والمذاكي من الخيل ما دخل السنة السادسة، والمَداعِسُ من الرماح: الغليظ الشديد الذي لا ينثني، ومعنى دعسه بالرمح: طعنه به، كما فسرناه في مكان آخر من هذا الكتاب.
وهنا ينصف عباس إنصافًا صريحًا واضحًا، فيصف لنا الموقف المتكافئ بين قومه وعدوهم على حقيقته دون تحيز .. إذ يقول: إنَّا إذا شددنا عليهم شدة، أي إذا هجمنا عليهم هجومًا شديدًا، قابلوا هجومنا الشديد بصدور الرماح وصدور الخيل المسومة، فنقف هجومنا وتتوازن كفتا القتال الدائر بيننا وبينهم عندها فلا غالب ولا مغلوب.
ويعتذر عن أسباب غزوهم المراد في "تثليث" النائية عنهم، وهم قوم شُوسٌ مغاوير وليوث حرب، بقوله:
نطاعن عن أحْسابنا برماحنا … ونضربهم ضرب المُذِيذ الخَوامسا
ويعود إلى تبيان فعاله في هذه الحرب الضروس المتكافئة:
وكنتُ أمام القوم أوَّل ضارب … وطاعنتُ إذ كان الطِّعانُ تَخَالُسا
ولا يكتفي بمديح بطولته التي جعلته أمام القوم أول ضارب، فنراه يستشهد على تقدمه لغيره من الأبطال في الإقدام في ساحة المعركة بشهود عدول أحياءٍ شاهدوا موقفه المشرف:
فكان شهودي مَعْبَدٌ ومُخارِق … وبِشْرٌ، وما استشهدتُ إلَّا الأكايِسا
لكنه يعود، فيفيد سامع شعره وقَارِئَهُ بأنه لَمْ يكن (منفردًا) في مقدمة الصفوف بل كان معه ابنا صُرَيْمِ دارعَيْنِ - أي لابِسَيْنِ للدروع الواقية من وقع السيوف وطعن الرماح، ومعهما عُرْوَة أيضًا، وإنصافًا لهؤلاء الأبطال الأماجد الثلاثة الذين شاركوه في الإقدام وتقدم الصفوف للنزال والضرب والطعان يقول: