للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن إنصافه أن يقول: إنه لولا حماية هؤلاء النفر الثلاثة له لَلَقِيَ الدَّواهي؛ فالدهارس هي الدواهي.

ويستمر في وصف وقائع المعركة فيقول: فأما زيد فقد مارس الإقدام، لولا إقصار خُطا مهره، وبنو سُلَيْم كانت الخيل لديهم كثيرة وفيرة - كما قدمناه:

ومارس زيد ثم أقصَر مهره … وحقَّ له في مثلها أن يمارسا

ولعنترة في معلقته وصف يماثل ما وصف به العباس "زيدًا"، يقول عنترة: (ولكني تضايق مقدمي).

وأما قُرَّة فكان موقفه حمَايَةَ المنهزمين والمتفرقين في المعركة، وطَعْنَ الأعداء بقوة وضراوةً، فلله دره من فارس مغوار:

وقُرَّةُ يحميهم إذا ما تبددوا … ويطعنهم شزرًا فأْبَرحْت فارسا

ويجلي لنا الموقف تمامًا أنَّ بني سُلَيْم في غزوهم لمراد في أرضهم: "تثليث" تمكنوا من (جَرْحِ) الكثير من رجالهم فقط، ولم يجهزوا عليهم، ولو مات الجرحى من أعدائهم لاغتبطت الضباع هنالك بكثرة القتلي، والسبب في عدم تمكين السُّلَميين الغزاة من القضاء على خصومهم يعود إلى أن هؤلاء الخصوم كانوا يلبسون الدروع المضاعفة، فلا تصل إلى أجسامهم سيوف بني سُلَيْم ولا رماحهم:

ولو مات منهم مَنْ جَرَحْنا لأصبحت … ضِبَاعٌ بأكناف الأراك عرائسا

ولكنهم في "الفارسي" فلا يُرَى … من القوم إلَّا في المُضَاعَفِ لابسا

ويقصد بـ "الفارسي" هنا، الدروع الفارسية المضاعفة، أي المنسوجة حلقتين حلقتين، فهي لذلك تَقي لابسها من الضرب والطعن.

ويزيدُ الموقِفَ (انجلاءً): فيذكر أن أعداءهم إذا تمكنوا من قتل كريم منهم فإنهم هم أيضًا قد قتلوا به منهم قتلى ذلك أنوفهم، فقد قتلوا بالقتيل السُّلَمي الواحد، خمسة بل ستة من أعدائهم:

فإن يقتلوا منا كريمًا فإننا … أبانا به قَتْلًا تُذِلُّ المعَاطِسا

قتلنا به في ملتقى الخيل خمسة .... وقاتِلَه زِدْنا مع الليل سادسا

<<  <  ج: ص:  >  >>