وقد اقتضى المشهد هنا أن يبرز شهامة قومه وإباءهم في الحروب، وتقدمهم إليها كما يتقدم حبيب لحبيبٍ:
وكنا إذا ما الحرب شَبَّتْ نَشبُّها … ونَضْربُ فيها الأبْلَجَ المتقاعسا
والأبلجُ: "المتكبر" والمتقاعس: "المتمنع" الذي لا يطأطئ رأسه.
وهنا يختم الشاعر قصيدته المنصفة، بوصف شامل لما حدث في الصدام المسلح بينهم وبين مُراد، فيقول:
فأُبْنا وأبقى طعْنُنا في رماحنا … مَطَارِدَ خطِّيٍ وحُمْرًا مَداعِسا
والمطارِدُ: ما يبقى من الرماح إذا انكسرت، والخطيُّ: الرمح المنسوب إلى خط البحرين.
وجُردًا كأنَّ الأُسْدَ فوق مُتُونها … من القوم مَرءوسًا وآخر رائسا
وهكذا عاد الغزاة السُّلَميُّونَ من صدام مسلَّح لَمْ يكن لهم فيه نصر ولا انكسار، ولكنهم حققوا في غزوتهم معنى البطولة، ودافعوا بالهجوم البعيد المدى الذي شنوه على أعدائهم في عقر ديارهم عن أعراضهم وسمعتهم وشرفهم وحماهم - والهجوم من أنجح وسائل الدفاع وأنجحها قديمًا وحديثًا -.
هذا، وقد ذكَّرني (اختتامُ) العباس بن مِرْدَاس (لسينيته المنصفة) هذه بقول عمرو بن كلثوم التغلبي في (قصيدته المنصفة) - معلقته النونية المعروفة:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا … وأُبْنا بالملوك مصفدينا
ويبدو أن العباس كان على علم بقول عمرو بن مَعْد كرب له من قصيدة سينية أو هما بيتان فقط:
أعباس لو كانت شيارًا جيادَنا … بتثليث ما ناصَبْتَ بعدي الأحامسا
ولكنها قِيدتْ بصعدة مُرَّةً … فأصبحن ما يمشين إلَّا تكاوُسا
نماذج أخرى من شعره الإسلامي
لَقَّبْنا عباس بن مِرْدَاس السَّلَمي، بشاعر حُنَيْن، لما اتضح لنا من دراسة شعره الإسلامي، من أنه أكثر من قال الشعر في يوم حُنَيْن وأنداهم صوتًا، وخاصة أنه شهد المعركة مع بني سُلَيْم وخاض معهم غمارها، ومن ذلك قوله: