للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ابن أبي حصينة شاعرًا ثَرَّ الشاعرية، جزل التراكيب ينحو في غزله منحى الشعر العربي القديم، تَصَوُّنًا وعفافًا وبُعْدًا عن الإسفاف، ولكن شاعريته تأثرت بالبيئة العُبيدية التي تجنح إلى المبالغة والتهويل في مدح الحكام، وكان ذا طموح وطمع في جمع الأموال، وقد أغدق عليه المرداسيون الأمراء الجرب الأجواد فيضًا زاخرًا من العطايا السنية السخية، ما بين عَينيَّة وعقاريَّةٍ وغيرهما، وقد وَهَبَهُ بعضهم (دارة رحبة جميلة) فسماها (دار المعونة)، وحضر بعض أمرائهم الحفلة التي أقامها بمناسبة بنائه لدار فخمة في قطعة أرض منحها له نصر بن صالح المرداسي، وكان في رأس قائمة الحاضرين نَصْرٌ نفسه، وبعد أن تناول الطعام سأله: كم أنفق في عمارة الدار؟ فقال له: ألفي دينار، فأعطاه ألفي دينار مصرية تعويضًا عما أنفق، وزاده ثوبًا أطلس وعمامة مذهبة وحصانًا بطوق ذهب، وسرفسار ذهب (١)، مبالغة في تقديره وتكريمه. ومدح الشاعر أبو الفتح السُّلَمي صالح بن مرداس الكلابي (٢) بقصيدة منها قوله:

تَطَوَلْتَ وَخَوَّلْتَ … عَلى قَدْرِكَ لا قَدْري

وأدْنَيتَ وأغنَيتَ … وأقنَيتَ إلى الحَشْرِ

وآمنتَ من البأسا … ءِ من يُولَدُ مِن ظَهْري

وأثْرَيْتُ بنعماكَ … وما أمَّلْتُ أنْ أُثْرِي

وقد زِدْتَ فزاد اللهُ … من عُمْرِك في عُمْرِي

سَأجزيك وما يَجْزيـ … ـك لا طِرْسي ولا حِبْري

وأُقنيِك ثَنًا يَبْقَى … على عابرة الدهرِ

وأوصافًا لها نَشْرٌ … ذكيُّ الطيَّ والنَّشْرِ

وما يبقى على الدنيا … وما فيها سوى الذِّكْرِ


(١) السرفسار: تاج الفرس مرصعًا بالذهب.
(٢) في مقدمة أبي العلاء المعرى لشرحه لـ "ديوان ابن أبي حصينة" نص أبو العلاء على أن بني مرداس سُلَميون، إذ وصف طليعة دولتهم: صالح بن مرداس بأنه سُلَمي، وفي المراجع التاريخية أنهم كلابيون لا سُلَميون. وقد أيد محمد أسعد طلس في هامش المقدمة نظرية أبي العلاء وأكدها (راجع ص ٥، الجزء الأول، طبع دمشق)، وهذا عكس ما تقول له المصادر التاريخية القديمة والحديثة؛ فبنو كلاب كبني سُلَيْم=

<<  <  ج: ص:  >  >>