وثلاثة هم شعراء الشام في القرن الهجري الخامس: أبو العلاء المعرِّي، وكان أرفعهم شأنًا، وابن حَيُّوس، وابن أبي حُصينة السُّلَمي، ولكل من هؤلاء الأعلام ديوان شعر مطبوع. وابن حيوس وابن أبي حصينة فرسا رهان فيما يرى محمد أسعد طلس؛ ونؤيده، فإن الدارس لشعرهما يجدهما متوازيين في الطلاوة والفصاحة والجزالة وطُول النَّفَس، وابن حَيُّوس أقرب إلى طريقة أبي تمام، وابن أبي حُصينة أقرب إلى منهج البحتري، وأبو تمَّام والبحتري فرسا رهان .. والخمسة جميعهم من زعماء الشعر في الشام.
ومما يسترعي الانتباه في بعض قصائد ابن أبي حُصينة أنه سَلَكَ فيها أسلوب أبي الطيب المتنبي؛ فقد مدح الأميرَ ثمالا معز الدولة بن صالح بن مرداس بدالية بليغة وأنفذها إليه من دمشق بمناسبة فتحه لقلعة حلب في شهر ربيع الأول سنة ٤٣٤ هـ قال:
لِسَيفِكَ بعد الله قد وَجبَ الحمدُ … فيا ليت جَفْني ما حييتُ له غمدُ
ومضى إلى أن يقول:
غيوثٌ إذا جادوا ليوث إذا عَدَوْا … كثير إذا عادوا قليل إذا عُدُّوا
يَشُكُّونَ في ظهر الْعَدُوِّ أسِنَّةً … إذا خرجت من صدره خرج الحقدُ
ثم يقول واصفًا فتح قلعة الثغر:
وعدتم لذاك الثغر سَدا من العدى … وأيُّ سَديدِ ما دَرى أنكُمْ سَدُّ!
وما رَدَّ كَيْدَ الروم خَلْقٌ سواكم … يُنيل إذا لم يبق من دونهم رَدُّ
أتَوْا يثقلون الأرض من فوق شُزَّبِ … إذا أسرعت في الخط أثقلها السردُ
يواريهمُ نسج الحديد عليهم … فما فيهمُ مَنْ مِنْه جارِحةٌ تبدُو
فلولاكمُ لم يَنْهَهُمْ عن حريمنا … وعن حرمة الإسلام جمعٌ ولاحشدُ
= قيسيون وهم بنو عمومة لبني سُلَيْم ولكنهم ليسوا منهم وإنما هم قبيلة من عامر بن صعصعة من هوازن بن منصور أخوة سُلَيْم بن مصور، وكان لبني كلاب شأن يذكر في الشام، وأخيرًا أنشأوا دولة لهم على يد صالح بن مرداس، وقد أحدثوا في زمن سيف الدولة الحمداني الوائلي حدثًا أزعج سيف الدولة وأحنقه عليهم، فغزاهم في عقر داوهم وسبى نساءهم، فتلطف أبو الطيب المتنبي وتوسط في قصيدة بائية غراء مدح بها سيف الدولة في أن يصفح عنهم.