جُنودُكَ لا يحيط بِهِنَّ وصف … وجُودك لا يحصله حسابُ
وَذِكْرُكَ كله ذكر جميل … وفعلك كله فعل عُجَابُ
و (أرمانوس) كان أشد بأسًا … وحَلَّ به على يدك الْعَذَابُ
أتاك يَجُرُّ بحرًا من حديد … له في كل ناحية عُبَابُ
إذا سارت كتائبه بأرض … تزلزلت الأباطح والهضابُ
فَعادَ وقد سَلَبت الملك عنه … كما سُلِبَتْ عن المَيْتِ الثيابُ
فما أدناه من خير مجيءٌ … ولا أقصَاهُ مِن شَرٍّ إيابُ
فلا تسمع بطنطنة الأعادي … فإنهمُ إذا طَنُّوا ذُبابُ!
ولا ترفع لمن عاداك رأسًا … فإنَّ الليث تنبحه الكلابُ
ويلوح لي أن هذه القصيدة البائية الماتعة الرائعة تنظر من قريب أو من بعيد إلى (بائية) المتنبي التي تماثلها في الورن والقافية، وإن كانت تزايلها في الموضوع والهدف ولا سيما في قول أبي الطيب المتنبي:
وجُرْمٍ جَرَهُ سُفهاء قوم … فَحَلَّ بغير جارمه العقابُ
فهو قريب الشبه والسمات من قول ابن أبي حُصينة:
وأرمانوس كان أشد بأسًا … وحَلَّ به على يدك الْعَذَابُ
وكما أن لابن أبي حُصينة مدائح، فله مَرَاثٍ نشير هنا إلي إحداها وهي التي قالها في سنة ٤٤٣ هـ حينما توفي زعيم الدولة أبو كامل بَرَكَةُ بن المقلَّد بن المسيب العُقيلي - شريك أخيه قرواش في ملك الموصل - بتكريت. قال ابن أبي حصينة من قصيدة طويلة:
من عظيم البلاء موت العظيم … ليتني مِتُّ قبل موت الزعيم
يا جفوني سُحِّي دَمًا أو فَحَمِّي … صَحْن خدي بعبرة كالحميم
وحينما توفي في سنة ٤٤٤ هـ قرواش معتمد الدولة أبو منيع بن المقلَّد العُقَيْلي صاحب الموصل مسجونًا بقلعة الجَرَّاحيَّة، رثاه الأمير أبو الفتح السُّلَمي بقصيدة باكية منها قوله: