الداهم عليهم، ولما وصل للجوازي الخبر من بكر وزوجته تَنَادى العربان وتصارخوا إلى القتال قبل أن تتحرك القوة للزحف عليهم في عقر دارهم من قواعدها في القاهرة والجيزة، وهرع إلى السلاح كل قادر على حمله من رجال الجوازي البواسل حتى النساء حملن السلاح، واستنجد القوم بالعشائر المجاورة فأنجدتهم بما تيسر لها من فرسان وهجانة وذخيرة وزاد، وتولى قيادة الثائرين بطلهم المغوار وزعيمهم المحنك عمَّار المصري، وقد فأجات الحملة العسكرية جموع العربان في طريق الواحات البحرية ودارت المناوشات بين الفريقين متقطعة ومتفرقة حتى اشتبكا أخيرًا في معركة عرفت بواقعة (بلاط) حيث أطبق الجيش على الثوار من كل صوب بعدما وافته إلى ذلك المكان القوة التي أنجدته بها عشائر أولاد علي، فأخذ الثوار بين أربعة نيران، وبعد قتال دام بضع سعاعات شَعَرَ عمَّار المصري بأن الدائرة عليه لا محالة وأن رجاله لن يقووا على الصمود أمام الجيش ومعهم بدو أولاد علي وخاصة أن هذا الجيش مزوَّد بالذخيرة الكبيرة علاوة على كثرة عدده، وأدرك عمَّار المصري أن استبساله هو ورجاله لن يُجْديهم نفعا، وأيقن الزعيم الشجاع أن الحظ يخونه وسيُقضى عليه هو وقومه، فلما أوشك أن يصدر أوامره إليهم بالتراجع والانطلاق في الصحراء الواسعة هربًا من المعركة .... فجاة عَلَت صرخة مدوية في إحدى جهات الميدان، وأعقبها هرج ومرج، واضطربت صفوف العساكر، وارتفعت سحب من الغبار تبتعد مع الرياح نحو الشمال، وسمع أصواتا تصيح: أولاد علي .. أولاد علي، وانقلب القتال من حال إلى حال!
إن الحرب خدعة أكثر مما هي شجاعة وإقدام، وقد عَمَد الجوازي في تلك المعركة إلى خدعة أنقذتهم من الهلاك وغيَّرت مجرى القتال في حومة الوغى وساحة الميدان، ونُفِّذت تلك الخدعة على يد بكر من الجوازي وزوجته سكينة من أولاد علي، فقد هرعت هذه المرأة البدوية بكل نخوة إلى بني قومها أولاد علي يصاحبها زوجها وصاحت بهم تقول: متى كان العربان يقاتلون العربان من أجل