وأَبىَ عمَّار المصري إلا أن يشيد بفضل المرأة الباسلة على مرأى ومسمع من القوم فالتفَّت العشائر حوله ورفعوا سيوفهم لتحية البدوية التي كانت العامل الأول في نصرهم. تلك قصة الطرابيش المغربية ذات الأزرار الطويلة الضخمة وتلك قصة انسحاب عشائر أولاد علي من معركة بلاط في أوائل عهد محمد سعيد باشا، وكان لهذه القصة المزدوجة حواشٍ وذيول يطول السرد فيها.
وقد رحل عمَّار المصري عن ديار القبيلة في المنيا والفيوم إلى برقة بفريق كبير من رجال القبيلة ونسائها، ونزل في باطن برقة في ليبيا حيث صاهر العشائر الضاربة في تلك الأنحاء من السعادي قومه وغيرهم، والغريب هنا في رحيل ذلك الزعيم البدوي عن دياره فإنه لم ينزح بسبب انهزامه في معركة بل سبب انتصاره فيها، فعمَّار المصري من أرومة حجازية نجدية وقد ورث ذلك من أجداده من بني سُلَيْم في الجزيرة العربية، وتقضي بأن يرحل الغالب عن البقاع التي كُتبت له فيها الغَلَبة في الحروب، ولا تزال هذه العادة حية معمول بها عند كثير من قبائل وعشائر العرب في الجزيرة العربية وسيناء والشام والصحراء الغربية لمصر وشمال إفريقيا، هذا ما فعله عمَّار المصري بعد واقعة بلاط مع السلطات ومن عاونها في مصر حينئذ.
وبقي هذا الزعيم مُقيمًا في برقة إلى عهد إسماعيل باشا الذي خَلَفَ عمه محمد سعيد باشا عام ١٨٦٣ م، وكان أول عمل أقدم عليه الوالي الجديد هو إعادة الوئام والوفاق بين الجالس على العرش ورعاياه من قبائل العربان في مصر، فأوفد رسله إلى برقة لاستدعاء زعيم الجوازي ورفاقه فلبُّوا الدعوة شاكرين آمنين، وعهد إليهم إسماعيل بحراسة الحدود الغربية تاركًا لهم ما كانوا يتمسكون به من امتيازات وفي مقدمتها الاحتفاظ بزيِّهم البدوي وطربوشهم المغربي الأحمر، وكان عمَّار المصري الذي تولى من جديد زعامة قومه في عهد الخديوي إسماعيل يقول في كل مناسبة: ما كنا لصوصًا وما كنا أشرارًا وما كنا باكين، ولكن بطانة السوء أوقعوا بين الجالس على عرش مصر وبيننا، في حين أننا في كل ظرف وفي كل وقت