إن برقة واسعة وأولاد جازية كثيرون، وكان المتكلم الأول من قبائل العلايا هو حمد بن صالح، ولما ذهب القائل وسمع شيوخ القبيلة بذلك شعروا بسوء العاقبة وتأكدوا من حصول الحرب وعلموا أنهم بفقدهم رئيسهم عبد النَّبِيّ فقدوا الكثير من السمعة والهيبة وحسن التقدير ورجعوا للقاعدة المعروفة بين العرب (فارس يعز قبيلة وقبيلة ما تعز فارس). أخذ الجوازي يتدبرون في الأمر احتياطا لما يخفيه لهم المستقبل القريب واستقر رأيهم أن يرسلوا إلى سيف النصر زعيم قبائل أولاد سليمان وأورفله والقذاذفة لما بينهم وبين هذا الزعيم من الصلات الودية يطلبونه يحضر بقومه كي يشاركهم في الغنيمة ويحارب معهم العلايا حتى يتم جلاؤهم من برقة إن لَمْ تكن إبادتهم، وبذلك سيحق لسيف النصر أن يشاركهم في ملكية برقة، وكان سيف النصر والحالة هذه طريدا للحكومة القرة مانلية وقتذاك بطرابلس، وفي الحالة هذه كان العلايا بدورهم يدرسون على بساط البحث التدابير اللازمة لحرب الجوازي فأخذوا يتذكرون ويذكرون كلّ معاملة سيئة عوملوا بها من قبل إخوانهم الجوازي ويجمعون الحيثيات التي تبرر الحرب وقد نفذ صبرهم، وفي صيف تلك السنة وصلت منتجعات سيف النصر الذي كان قد أشهر العصيان كما قلنا على حكومةٌ طرابلس ولم يعد يستطع البقاء بطرابلس فانضم إلى الجوازي.
وصلت منتجعات سيف النصر إلى برقة الغربية وأخذت أماكنها من إجدابيا إلى المقرون، وكانت منتجعات الجوازي من غرب سوق إلى موقع الآبار، أما العلايا فمنازلهم متاخمة للساحل من كركوره إلى بنغازي، وآن الأوان لإشعال نار الحرب فعمل كلّ من عنده لذلك فاصطدم العلايا بالجوازي في معارك طاحنة، أما سيف النصر وقومه لزموا الحياد تحت الستار وبقوا متحيرين وإن كانت حقيقتهم مناصرة الجوازي وقد تمكنوا من أراضي واسعة في الماء والمرعى وتجنبوا القتال مباشرة، فإما أن تكون منهم حيلة ولهم في ذلك معاذر، وإما أنهم أرادوا أن تضعف قوة الجانبين ولهم بعد ذلك كلمتهم كيف ما يتراءى لهم.
انتصر الجوازي بادئ ذي بدء وحاصروا جميع منتجعات العلايا في بنغازي حصارًا دام خمسة أشهر هلك فيها أكثر الحيوان، إذ لا ماء ولا مرعى ولا مخرج