ومما يدعو إلى التعجب والإعجاب أن عراف الجُرَّة علاوة على اكتشافه للمعتدي اعتمادا على شكل قدميه (جرته) قد يتوصل بفضل فراسته إلى استنتاجات أخرى مثل أوصات المعتدي: طول قامته أو إن كان أعرج أو أعور أو بدينا أو ضعيف الجسم وغير ذلك. ومثل زمن الاعتداء: ليلا أم نهارا، قبل الزوال أم بعده إلخ، وتحاشيا للإطالة هنا أكتفى بتقديم نموذج واحد في ذلك. سألت مرة رجلا من عرافي الجُرَّة على الأدلة التي اعتمدها في الحكم بأن سرقة التمور من غوط فلان جرت ليلة البارحة لا نهار الأمس فكان بعض ما أذكره من جوابه هو: أولا: كان على جرة السارق آثار مشي الفئران وهي غالبا لا تخرج من جحورها وتنتقل بحرية إلا أثناء الليل. ثانيا: على الجرة آثار قطرات الندى والندى لا ينزل إلا ليلا. ثالثا: كانت الجرة واضحة المعالم سليمة لم تصادفها ريح نهار الأمس التي لم تهدأ سوى أول الليل الماضي. ومما يحكى عن الاستدلال بالجُرَّة أن ضابطا فرنسيا عندما عُيِّن رئيسا للإدارة بالوادي - في عهد الاستعمار - أراد أن يتأكد من صحة هذا العمل العرفي ليعتمده بدوره في أحكامه، ففي ذات ليلة خلع حذاءه وذهب منفردا مستترا إلى أحد البساتين القريبة وقطع عرجون تمر من نخلة صغيرة ثم عاد إلى منزله، وفي صباح الغد ذهب صاحب البستان إلى الإدارة يخبرها بالاعتداء على بستانه حتى تتخذ الإجراءات للكشف عن المعتدي، فأرسل الضابط من يحضر الخبير (عراف الجُرَّة) كعادة أهل البلد في مثل هذا الحادث، ولما حلل عراف الجُرَّة الآثار توصل نهائيا إلى اكتشاف صاحبها الذي هو الضابط، قيل: قد أعجب الضابط الفرنسي المذكور بفراسة الخبير واتخذه من ذلك اليوم خبيرا رسميا في هذا الميدان.