ذئبا أتى نعجة رابضة فجلس عند فمها وهي تقطع جرتها (أي تجتر) فقال لها: أنت تمضغين وأنا لا أطيق سماع مضغك فاسكتي، قالت له: كان عليك أن تجلس في مكان غير هذا فإن الأرض واسعة والفيافي لا حِسَّ فيها، فقام الذئب من هناك وجلس عند ذنب النعجة فقالت له: تأخر عني إلى محل آخر، فقال: لا أتأخر فهذا هو الموضع الذي قسمه الله لي، وكان من عادة النعجة إذا مضغت تحرك ذنبها فسقط منه شيء من التراب على وجه الذئب فقال له: ألم تعلمي بأني قاضي الحيوانات لا أقبل من يشوه خلقتي بالتراب أو يتعدى علي بشيء، فوثب عليها وأكلها، والرأي عندي أن لا تظهروا الجزع والنفور من مجاورتهم بل أظهروا لهم البشاشة ورغبتكم في مساكنتهم غير أنكم كنتم أردتم منهم البعد قليلا وحيث لم يتيسر ذلك منهم فلا بأس بالبناء بالمحل الذي بنوا فيه، وإذا اطمأنوا لكم وطال الأمد اجعلوا لهم مكيدة.
فسمعوا كلام كبيرهم، وكان من بين جماعة مجلس الشوري سيدي عبد الله بن أحمد، فأخبر رؤساء طرود بما أرسى عليه أمر زناته وأوصاهم بكتمانه عن عامتهم لئلا يظهر الخبر.
فزاد طرود في البناء جهرا وجعلوا زرائب من الحلفاء والمرخ قائمة على خشب الأزال واشتغلوا بالأسفار إلى النواحي القريبة كالجريد والزاب ووادي ريغ خصوصا تماسين كما يسافرون إلى ورقلة وغدامس وتارة إلى السودان، أما الجهات الأخرى فقليلا ما يذهبون إليها لكثرة قطاع السابلة فيها ومرور الجيوش بها وكثرة الأهوال في ذلك الحين.
فلما طال الحال عزم الزناتيون على فعل المكيدة التي كانوا عزموا عليها سابقا واتفقوا على ضيافة قوم طرود وأن يكون ذلك في وقت العشاء لئلا تظهر المكيدة وقد فكروا في وضع السم في الطعام ليموت كل من أكل منه، قيل أنهم جلبوا