سم ساعة من الأندلس، فنهاهم سيدي عبداالله عن ذلك قائلا لهم: أن طرودا تركوا إذايتكم وآخوكم وأزالوا ما في صدورهم عنكم ويكرمونكم غاية الإكرام، فلم يصغوا لقوله متعللين بأن طرودا ما تركوا إذايتهم إلا حين نالوا ما أرادوا.
ثم استضاف الزناتيون طرودا فأجابوهم لذلك ظانين عدم الخديعة وأنهم ما فعلوا ذلك إلا لتمكين الروابط ناسين ما قد أخبرهم به سيدي عبد الله فاشتغل الزناتيون بطبخ الطعام من الصباح وكانت قريتهم لها سور وبهذا السور بابان وفي كل باب حرس يتفقد أحوال الداخلين والخارجين فإذا رأى الحارس ما يشك فيه يخبر أصحاب الشرطة (الحكومة) فيبدون فيه رأيهم، وكان أهل الشورى أخبروا أهل القرية بأن لا تذهب قصعة الطعام إلى طرود حتى تمر عليهم (أي على أهل الشورى ليضعوا فيها السم).
وكان سيدي عبد الله يترقب الفرصة ليذكر طرودا بصنيع زناته وليتجنبوا أكل طعامهم فأرسل عبده إليهم بإنزاله من جدار السور الغربي فوصلهم في الحين وأخبرهم بما كان.
فلما بلغ الخبر إلى طرود اشتوروا في الأمر واتفق رأيهم على أن لا يظهروا ذلك إلى الزناتيين ولكن يشيعون أنه أتاهم خبر بأن إبلهم أغار عليها العدو في الصحراء الشرقية ويظهر فتيان طرود اللحاق بها ثم يكمنون في المكان المُسمى الآن العلندوي حتى يفوت وقت الطعام ويفسد وعندئذ يرجعون.
فأكثر أهل طرود الضجيج والبكاء وأظهروا الحزن بضرب الطبل (وهو قصعة مغشاة بجلد جمل قد تجتمع حوله النساء ويضربنه بعصي قصيرة ويفعلن مثل ذلك في الأعراس والمواسم ومقدم الغزاة، وكن في الأفراح يولولن أي يزغردن وفي الحزن والتفجع يبكين ويندبن وإلى الآن يوجد ذلك في البادية الجزائرية).
فلما جنّ الليل أقبل جماعة زناته بالطعام إلى منازل طرود وجلسوا حسب وصية كبرائهم لينظروا أكل القوم، فاعتذر طرود عن الأكل متعللين بأن أكبادهم مجروحة بما حدث لإبلهم ولا يدرون أيضا ما حال أبنائهم في الموت أم في الحياة.