للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن ذلك ما حكي أن بني هلال حين دخلوا إفريقيا (تونس) مكثوا فيها طويلا ثم انتقلوا حتى وصلوا أرض سوف فوجدوا بها الزناتية، ومن جملتهم خليفة الزناتي المشهور فتحاربوا هناك وحفر خليفة المذكور بئرا بقرب الغوط الآن تُسمى باسمه إلى هذا الوقت يقال لها احسي خليفة، ثم طرد الهلاليون الزناتيين وأجلوهم إلى وادي الزناتي ونواحيه.

ويحكى في هذا الشأن أن رجلا سأل رجلا آخر عن زناتة وبني هلال كيف كانت الفتنة بينهما وما سببها؟ فأجابه بقوله: إني كنتُ ذات يوم جالسا في خلوتي فحدثتني نفسي بزيارة الشيخ البكري في الشام، فأخذتُ عكازي وسرت في البرية حتى وصلت موضعا يقال له بن قردان (١) بقرب أرض طرابلس، فنظرت فإذا بخيول قد أقبلت علي فلما رأوني وعرفوني قال بعضهم لبعض: لا تؤذوه فإنه رجل صالح عليه سمات الخير تلوح، فنزلوا بساحتى وإذا بخيول أخرى تتزايد والسواد والنساء لاحقات في أثرهم، فعرضوني للأكل فامتنعت من طعامهم وأكلت من سويق عندي ونمت هناك إلى الصباح، وإذا بخيل أخرى قد خرجت من الزاوية التي بطرابلس فلما رأتهم زناتة أسرعوا نحوهم، فسألت رجلا عاقلا كان معهم عن هذه الخيل الأخرى، فقال: أولئك بنو هلال ونحن زناتة نريد القتال، قلت له: وما الحامل لكم على ذلك من غير موجب ولا سبب، قال لي: يا شيخ البركة، هؤلاء يقاتلوننا عن أرضنا من غير شيء فعلناه معهم والصائل لابد من دفعه، وكان مع بني هلال امرأة جميلة قد خطبها بنو عمها فلم تقبل منهم أحدا، وكان في قومنا رجل يقال له خليفة بن عمار ذو شجاعة وفروسية، جميل الصورة، صاحب أشعار كثيرة وكلام بليغ خرج يفتش على نياق أذهبها الغيم والريح فالتقى بتلك المرأة وكان حولها عشرون بكرًا من بنات عمها يحللن عقاصها، فتقدم إليهن خليفة وتأمل فيهن فلما رأينه قلن له: ما شأنك يا فارس، قال لهن: جئت أبحث على ضالة من الإبل والآن عثرت على خير منها فلا أذهب من هنا. قالت له تلك المرأة: إنك لا تقدر على زمام الناقة وعقالها (كناية عن شروطها) قال لها: أقدر على ذلك إن شاء الله. فإن لم تكوني تعرفينني فأنا خليفة


(١) بن قردان: بلدة تونسية قرب الحدود الليبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>