للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علي بن غانية بغارات كثيرة افتتح فيها بلاد الجريد (سنة ٥٨١ هـ) وأقام الدعوة العباسية (١).

كتب إليه بالطاعة وأظهر دعوة التوحيد، ذلك هو أبو زيان الذي تصفه الرسالة السابقة الموحدية بأنه زعيم من رعماء الأغزار يضاهي قراقوش في قدره ويقاسمه في أمره (٢)؛ وهذا أمر تنفرد بذكره هذه الرسالة ولم أجده في غيرها من مصادر، ولعل أبا زيان هذا - وكنيته تدل على أنه "تأقلم" مغربيا ولم يعلن التوحيد فحسب - هو الذي خلفه قراقوش على حكم طرابلس، فلما وجد أنه يستطيع أن يعمل لحسابه الخاص استقل عن صاحبه.

ولم يكن قراقوش مخلصا في انضمامه إلى الموحدين ولكنه رأى فقدان أهله وأبنائه وضياع جهوده السابقة وخذلان صاحبه أبي زيان له وشهد كل ما بناه يتهاوى فرأى أن يرتاح قليلا وينال شيئا من الامن، ولا ندري المدة التي مكثها وهو يعيش في ظل الموحدين، غير أن انضواءه إليهم كان يعني حالة اضطرارية هي نتيجة النصر الذي أحرزه المنصور، ولم يكن خضوع قراقوش وقهر ابن غانية من ثمرات ذلك النصر فحسب، بل كان نقل العربان الضالعين معهما - ومع كل ثائر - من منطقة إفريقيا إلى المغرب الأقصى على سبيل الاحتجاز والإقامة القسرية نصرا آخر، وكان هؤلاء العربان هم جُشَم ورياح، وإذ لم يبق على ولائه للموحدين إلا قبائل زغبة، وقد أسكن المنصور قبيلة رياح ومعها زعيمها مسعود بن زمام في منطقة تدعى الهبط من أرض المغرب، وبدا قراقوش لعين الرائي حينئذ مفردا من كل نصير مسلوبا من جميع الوسائل التي يحتاجها الرجل المغامر.

ولكن هذا الغزي لم يتعود الحياة المطمئنة الوادعة؛ ولذا فإنه فر من حضرة السيد أبي زيد بن أبي حفص ومضى إلى مقره القديم، مدينة قابس، ودخلها بالحيلة واستولى عليها، وقتل جماعة من أشياخ ذباب والكعوب منهم محمود بن طوق أبو المحاميد وحميد بن جارية أبو قبيلة الجواري (٣)، وارتكب بهذا العمل


(١) ابن خلدون ٦: ٢٠ - ٢١، ١٩٢.
(٢) المصدر السابق: ١٩٨.
(٣) ابن خلدون ٦ … ١٤٣. ويقول. إنه قتل سبعين من بني سُلَيْم بقصر العروسي، وانظر رحلة التجاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>