للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكبر غلطة، كلفته حياته من بعد؛ لأن العرب لا ينامون على الثأر مهما يطل عليه الأمد، ولقي حليفه علي بن غانية مصرعه عام ٥٨٤ هـ، فخلفه في مظاهرة قراقوش أخوه يحيى بن غانية.

ثم إنَّ قراقوش عاد إلى طرابلس فحاصرها واستولى عليها، ولعلَّ ذلك كان سنة ٥٨٦ هـ أو التي بعدها، وكان يعاونه في هذا زعيم رياح: مسعود بن سلطان بن زمام، وإنما نفترض ذلك لأن ابن خلدون يحدثنا "أن مسعودا فر من بلاد الهبط في المغرب بعد أن نفاه الموحدون هناك ولحق ببلاد طرابلس ونزل على زغب وذباب من قبائل بني سُلَيْم ووصل إلى قراقوش وحضر معه فتح طرابلس حتى افتتحها" (١) وكان فراره في أبطال من بني رياح، عاونوا قراقوش على احتلال طرابلس.

وكانت العلاقة بين قراقوش ويحيى بن غانية قد فسدت، فما إن سمع يحيى أن قراقوش قد عاد إلى طرابلس حتى زحف إليه من منطقة الجريد، فلما عرف قراقوش بقدومه فرَّ عن طرابلس مخلفا عليها نائبا له يُدعى ياقوت الافتخار؛ والتقى يحيى بقراقوش في مكان من جهة طرابلس اسمه المحسن (٢) فانكسر قراقوش كسرة شنيعة وتوغل في جبال طرابلس ويحيى الميورقي يتبعه، فبلغ قراقوش في هربه مدينة ودَّان واعتصم فيها.

وقام الذواودة من رياح وزعيمهم محمد بن مسعود (٣)، واعتزموا على معاودة الحرب وتعاقدوا على الثبات والصبر وانطلقوا يتألفون الأعراب من كل ناحية حتى اجتمع إليهم من بطون سُلَيْم: ذباب وزغب والشريد وعوف، فبادرهم أبو محمد سنة ٦٠٦ هـ ولقيهم بجبل نفوسة (٤). وفلَّ عسكر ابن غانية وأخذ ما


(١) ابن خلدون ٦: ٢١ والنص شديد التصحيف ولكن ما يستنتج منه يدل على أن مسعودًا لم يكن مع قراقوش في استيلائه الأول على طرابلس، وإنما كان في الفتح الثاني غير أن ابن الأثير (في أحداث سنة ٥٦٨ هـ) أجمل ذعر الحوادث إجمالا (انظر ١١: ٢٥٦).
(٢) يقول الأستاذ طاهر الزاوي: إن وادي محسن هو وادي الهيرة من أراضي ورشفانة إلى غربي العزيزية وشمالها من جنوب طرابلس. (تاريخ الفتح: ٢١٧).
(٣) هو ابن الشيخ مسعود بن زمام الذي تقدم ذكره وخبر عفو الموحدين عنه.
(٤) ابن خلدون ٦: ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>