للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاد التي طلع بها كوكب سعده منذ التقى في بجاية إحدى مدنها بإمامة المهدي، ويتطلع إلى نظمها في سلك الدعوة المودعدية كما انتظمت أقطار المغربين الأقصى والأوسط والأندلس والصحراء، ولم يكن يثنيه عن النهوض إليها إلَّا إقباله في السنين الأولى من حياة الدولة الجديدة على تنظيم الحكومة وترتيب الإدارة والقضاء على الخوارج وتجهيز الجيوش لصد عادية النصارى الذين تطاولوا على مسلمي الأندلس أثناء حروب المرابطين والمودعدين، فلما كانت سنة (١١٥١ م - ٥٤٦ هـ) نهض عبد المؤمن لفتح ما بقي من المغرب الأوسط، والمغرب الأدني، فاستولي على الجزائر ووفد عليه فيها أبو الجليل بن شاكر أمير الأثبج وحباس بن مشيفر من أعيان جشم فتلقاهما بالمسرة، وغمرهما بالمبرة، وعقد لكل واحد منهما على قومه، ثم استولى على بجاية وقلعة بني حماد وقسنطينة، فسمعت بذلك قبائل بني هلال المقيمة بإفريقيا فخفت مسرعة إلى الغرب وعسكرت بظاهر باجة وتعاهد شيوخها على محاربة الموحدين وإنقاذ مُلك بني حماد، وحينما كان الخليفة عبد المؤمن بن علي في طريق عودته إلى عاصمة ملكه بالمغرب الأقصى وافته الأخبار بمسيرهم إلى سطيف، فأرسل مددا إلى ابنه الأمير عبد الله والي بجاية وأمره بملاقاتهم وخضد شوكتهم، فالتقى الفريقان بسهول سطيف ودارت رحى الحرب بينهم ثلاثة أيام ثم انتهت بانهزام العرب واستلحامهم وسبي نسائهم وأسر أبنائهم وغنم أموالهم وأمتعتهم، فكانت تلك أعنف صدمة تلقوها منذ دخولهم إلى بلاد المغرب قبل مائة عام (١) وأثرها راجعوا بصائرهم ودخلوا في دعوة الموحدين وأذعنوا لحكمهم، ثم وفد على الخليفة بعد رجوعه إلى مراكش كبراؤهم فوصلهم ورجعوا إلى قومهم مغتبطين.

وأقام عبد المؤمن على رفاق مع العرب إلى أن تحرك من مدينة سلا يوم الأحد (١ مارس ١١٥٩ م - ١٠ صفر ٥٥٤ هـ) وسار إلى المغرب الأدني لمعالجته أموره استعادة مدينة المهدية من أيدي النصارى الذين كانت وطأتهم البرية والبحرية مشتدة بسببها على المسلمين باستمرار، وأثناء حصاره للمهدية الذي دام سبعة أشهر


(١) انظر عن هذا الانتصار رسالة كتبها أبو جعفر بن عطية من تلمسان على لسان مخدومه الخليفة عبد المؤمن بن علي إلى أهل مراكش مؤرخة في فاتح ربيع الأول عام ٥٤٨ (الأربعاء ٢٧ مايو ١١٥٣ م) بالمجموع المسمي: مجموع رسائل موحدية ص ٢٦ ط الرباط ١٩٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>