للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظهرت من بني سُلَيْم ضروب من المنافرة والمشاقة والتعدي بجهات قابس، فكان الخليفة يستدعيهم إلى الجهاد معه ويستدنيهم منه ويهيب به إلى نبذ العصيان والدخول فيما دخلت فيه جماعة المسلمين، ويبعث لهم في ذلك المخاطبات البليغة والأشعار الرائقة كقصيدة صهره القاضي ابن عمران التينمللي التي يقول فيها على لسان مخدومه:

أسُلَيْم دعوة ذي إخاء مرشد … هاد إلى الحق المبين المسعد

ومذكر ما كان أسلاف لكم … فضلوا به أفعال كلّ مسدد

بجهاد أعداء الإله، ونصرهم … لرسول ربهم النَّبِيّ محمد

وتعرفوا أنا عليكم صبر … حتى يعود جواب هذا المنشد

لكنه كان يصبر على سُلَيْم ولا ترد عليه عنهم إلَّا أخبار السوء، فلما بلغه تماديهم في الغي والفساد واستيلائهم على مدينة قابس واستباحتها بعث إليهم عسكرا ضخما بقيادة قريبه ووزيره عبد السلام الكومي، فاسترد المدينة واستأصل شأفة بني سُلَيْم، واستخلص بعد ذلك مدن الجنوب التونسي والإقليم الطرابلسي من أيدي المتغلبين عليها منهم ومن غيرهم، ولما ثني عنانه إلى المغرب سنة ١١٦٠ م بلغه أن الأعراب عادوا إلى الثورة والتشغيب فسرح إليهم جيشا من الموحدين نازلهم قرب القيروان وأوقع بهم وقتل كبيرهم محرز بن زياد الفارغي من بني علي إحدى بطون رياح (١)، وخلال هذه الوقائع وأثناءها أدرك عبد المؤمن بثاقب ذهنه وسديد نظره أن غريزة الفتنة متأصلة في العرب لا يمكن تخليهم عنها، فرأى أن يستغل طبيعتهم الحربية لمصلحة الدولة وطاقتهم التخريبية ضد أعدائها الداخليين والخارجيين، فاستلحق عددًا كبيرًا منهم بعسكره، ولم يعد من حركته الأفريقية إلى المغرب الأقصى إلَّا وهو يجر وراءه من عرب رياح وجُشَم وعدي وقبائلهم ما يضيق به الفضاء، على عدد الذباب وعدد الحصا (٢).


(١) انظر عن هزيمة العرب بإفريقيا رسالة من إنشاء أبي القاسم القالمي مؤرخة في يوم الإثنين ٢٤ ربيع الثاني عام (٥٥٥ هـ - ٢ مايو ١١٦٥ م) بعث بها عبد المؤمن بن علي من فحص متيجة إلى أهل فاس، في المجموع المسمي: مجموع رسائل موحدية ص ١١٣.
(٢) المن بالإمامة - لابن صاحب الصلاة ص ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>