وحينما أبطأ العرب في تلبية هذا النداء خاطبهم يستعجلهم، ويبين لهم نيته العازمة على الجهاد ويسترحلهم، بالقصيدة التالية أيضًا وهي من شعر ابن عياش (١).
أقيموا إلى العلياء هوج الرواحل … وقودووا إلى الهيجاء جرد الصواهل
وقوموا لنصر الدين قومه ثائر … وشدوا على الأعداء شدة صائل
وأسروا بني قيس إلى نيل غاية … من المجد تجنى عند برد الأصائل
فما العز إلَّا ظهر أجرد سابح … تموت الصبا في شده المتواصل
وأبيض مأثور كان فرنده … على الماء محبوك وليس بسائل
بنو العم من عليًّا هلال بن عامر … وما جمعت من باسل وابن باسل
تعالوا فقد شدت إلى الغزو نية … عواقبها منصورة بالأوائل
هي الغزوة الغراء والموعد الذي … تنجز في أفق المدى المتطاول
بها تفتح الدنيا بها تبلغ المني … بها ينصف التحقيق من كلّ باطل
عزمنا وأمر الله لابد واقع … على وقعة تودي بدين الفياصل
بجيش يضل الطير في حجراته … وتحجب عنه الشمس سحب القساطل
وتحسر فيه الطرف من كلّ جانب … بحور دلاص عادمات السواحل
ويطلع ليل النقع فيه كواكبا … من البيض أو من مرهفات المناصل
ويضحي به بحر الدماء مفجرا … باسمر عسال وأبيض ناصل
بأيدي رجال قد وفوا بعهودهم … وخاضوا لنصر الدين أمواج هائل
فما وهنوا يومًا ولا فلَّ عزمهم … ولا حيرتهم معضلات النوازل
فطيروا إليها يا هلال بن عامر … ثقالًا خفافا بين حاف وناعل
ولا تخدعوا عن حظكم من إجابة … تبوئكم في المجد أسنى المنازل
وتقطعكم ص در الندى إذا نبت … بمن لَمْ يكن منكم صدور المحافل
أهبنا بكم للخير والله حسبنا … وحسبكم والله أعدل عادل
فما همنا إلَّا صلاح جميعكم … وتسريحكم في ظل أخضر هاطل
(١) نسب عبد الواحد المراكشي في المعجب هذه القصيدة لعبد المؤمن بن علي وعدها الأدباء المعاصرون من شعره، أما ابن صاحب الصلاة فجعلها في كتابه المن بالإمامة من شعر ابن عياش وتوجيهها إلى العرب على عهد الخليفة يوسف بن عبد المؤمن، والظاهر أن رواية ابن صاحب الصلاة أصح لأنَّه مؤرخ معاصر تدل دقة أخباره وتسلسلها وما يقرنها به من وثائق الرسائل الرسمية والقصائد الشعرية على أنَّها أصح من أخبار غيره.