ولما وصلت القصيدتان إلى أحياء العرب بنواحي القيروان والزاب تناشدوهما وأعجبوا بفصاحتهما وهزتهم الأريحية الإسلامية والحمية العربية فأخذوا يتوجهون إلى مراكز التجمع بضواحي بجاية ومعهم العمال والأمناء، حتى إذا اكتمل جمعهم سار بهم واليها الأمير السيد يحيى بن عبد المؤمن إلى المغرب، وكان عدد فرسانهم أربعة آلاف يضاف إليهم المشاة ومعهم من الدواب والميرة والسلاح ما يجل عن الحصر، وعندما وصلوا إلى تلمسان انضم إليهم واليها الأمير السيد موسى بن عبد المؤمن بألف فارس عربي و من عنده من العساكر النظامية مشاة وركبانا، فسار هذا الجيش الضخم تهتز الأرض تحت سنابك خيله وتصطك جنبات الفضاء بدقات طبوله ونغمات غيطاته، ويظهر أن الخليفة قلق مما قد يحدثه ورود هؤلاء العرب الذين لَمْ يألفوا نظاما في أعداد ضخمة على حاضرته، فأرسل بتعليمات مشددة إلى أخويه بالطريق يأمرهما بالرفق في المشي والتزام النظام والمحافظة على الخيل، ومر كلّ شيء بسلام خلال مراحل الطريق حتى وصلوا مراكش فاستبشر الخليفة بوصولهم، واستعرضهم بالفحص المتّصل بها يوم السبت (١٢ ديسمبر ١١٧٠ م - ٢ ربيع الثاني ٥٦٦ هـ) وفي اليوم التالي أمر أشياخهم بالدخول عليه لتجديد البيعة وأخذ العهد وتمادي دخولهم إلى يوم الأربعاء ٣٠ ديسمبر من العام المذكور، وبعد يومين شرع في إطعامهم ضيافة لهم على العادة العربية المألوفة، فكان يدخل منهم كلّ يوم إلى البحيرة المعدة للضيافة ثلاثة آلاف رجل فيطعمون، ودام ذلك مدة خمسة عشر يومًا، وبدرت من العرب خلال أيام الضيافة بوادر فوضى عدت سوء أدب منهم وجرأة، فقاطعهم الخليفة ثلاثة أيام ثم صفح عنهم، وفي يوم الأحد ١٧ يناير ١١٧١ م أمر بتمييزهم في رحبة قصره العتيق بدار الحجر داخل حضرته استعدادا للذهاب بهم إلى الأندلس فكان يدخل منهم كلّ يوم قدر معلوم وخلال التمييز الذي استمر خمسة عشر يومًا كان الأعراب يدخلون في حال من الخصاصة والفوضى تضحك الحاضرين، فكان الخليفة يغضي لهم عن كلّ ذلك ويأمر بإصلاح حالهم وإعطائهم ما يلزمهم من الكسوة والسلاح وتعيين القواد لكل فريق منهم، لمعرفته بحاجتهم وضرورتهم ومبادرتهم إلى طاعته وانقيادهم لخلافته، ولما في نفسه من إرادة الجهاد بهم لأعداء الله تعالى فيتألف قلوبهم بذلك (١)، وبعد