للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمير عبد الرحمن بن عمر في أعداد وافرة وجموع متكاثرة، وشد عضد جيشه البري بالأسطول، ومع أن الأمير المذكور نجح في استعادة جميع المدن المذكورة فإنه لم يتمكن من القضاء على رءوس الفتنة التي فر بها العرب إلى شط الجريد، حيث استجمعت قواها ونظمت صفوفها واعتزت بمن انضم إليها من الغز (١) وأعادت الكرة من جديد على عمالة قسنطينة تجاذب الدولة حبل السلطة فيه، وفي سنة ١١٨٦ م توالت على الخليفة أنباء مزعجة عن تضييق بني غانية والأعراب من حلفائهم على بلاد الجريد فنهض إليهم من مراكش يوم الأربعاء (٣ شوال ٥٨٢ هـ) ولم يصحب معه من عرب المغرب إلا بني زيان من عرب رباح (٢) رعيا لقدم هجرتهم؛ وذلك احتياطا من انضمامهم خلال القتال إلى إخوانهم للعصبية، ولما وصل إلى تونس سرح إليهم الأمير يعقوب بن عمر بن عبد المؤمن في عسكر الموحدين، فهزموه بوطا عمرة، فلم يسع الخليفة إلا الخروج إليهم بنفسه، فخرج من تونس في يوم الأحد (٦ سبتمبر ١١٨٧ م - فاتح رجب ٥٨٣ هـ) وعرج في طريقه على القيروان فآلمه ما رأى من اندثار محاسنها وخراب مآثرها وأشجاه منظر مسجدها المبارك العتيق يعشش فيه البوم وينعق الغربان فأمر بتجديده وفرشه، ثم سار حتى التقى بعلي بن غانية وحلفائه من العرب والغز بحامة دقيوس فهزمهم وفر علي مجروحا إلى خيمة أعرابية عجوز ومات بها وولى الثائرون عليهم أخاه يحيى مكانه، وأثر هذه الوقعة استلحق يعقوب المنصور الأغزاز بجيشه، وأقام إلى منتصف شوال بالجنوب التونسي يعالج أمر الثائرين، ثم عاد إلى تونس، ومنها ذهب إلى المهدية في (شهر مارس ١١٨٨ م - محرم ٥٨٤ هـ) فأقام بها ريثما وضع للعرب قوانين يوقف عليها وربط أشغالهم بها، ثم عاد إلى المغرب الأقصى فوفد عليه شيوخ العرب مبدين توبتهم، فأمر بانتقال عرب رياح وجُشَم من بني هلال بن عامر إلى سكناه فنزل الأولون ببلاد الهبط (جبالة) وأرغار (الغرب) ما بين


(١) جماعات من الأرمن دخلوا إلى المغرب في أواخر القرن السادس الهجري وملكوا طرابلس برئاسة أميرهم قراقش ثم استرجعت منهم واستلحقهم سلاطين الموحدين ثم سلاطين بني عبد الواد وبني مرين بجيوشهم فيما بعد.
(٢) كذا ذكر ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة، وذكر ابن خلدون في تاريخه (٦: ٤٥) أن المنصور صحب معه زغبة من الهلاليين وجمهور الأثبج، والغالب أن رواية ابن صاحب الصلاة أصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>