طنجة وسلا، ونزل الأخيرون بتامسنا والحور ما بين سلا ومراكش، وكان قصده من هذا الترحيل كسر شوكة إخوانهم بإفريقيا من جهة وتقوية جيشه بهم من جهة ثانية، ولكن كل ذلك لم يفد شيئا، فإن الأولين أمعنوا في العبث والفساد حتى هم سنة ١١٩٤ م بالمسير إليهم لما توالت عليه رسائل أبي سعيد بن أبي حفص مخبرة باستفحال ضررهم وتوالي تواطئهم مع الثوار من بني غانية لولا انشغاله بجهاد نصارى الأندلس في تلك السنة، كما أن إخوانهم الذين انتقلوا إلى سكنى المغرب الأقصى شرعوا يقومون فيه أعمال الشغب الغريزية فيهم بعدما كثر عددهم وأصبحت لهم فيه مواطن عامرة بهم وحدهم، وهذا ما جعله يقول عند وفاته: ما ندمت على شيء فعلته في خلافتي إلا على ثلاث وددت أني لم أفعلها: الأولى إدخال العرب من إفريقيا إلى المغرب مع أني أعلم أنهم أهل فساد، والثانية بناء رباط الفتح أنفقت فيه بيت المال وهو بعد لا يعمر، والثالثة إطلاقي أسارى الأراك ولابد لهم أن يطلبوا بثأرهم (١) ومع هذا الندم فإنه أوصى بالعرب خيرا وهو يجود بأنفاسه الأخيرة وطلب من الموحدين أن يداروهم ويلاطفوهم ويحسنوا إليهم غاية الإحسان، ويشغلوهم بالحركات ولا يتركوهم للعطلة والراحات.
وكذلك صار المغرب مملوءا من أدناه إلى أقصاه بالعرب، وسكانه الأولون من بربر وعرب فتح مزاحمين بهم فيه، وصا ارت علامة التمايز بين القبائل الأصلية والأخرى الطارئة كلمة (بني) وكلمة (أولاد)، فكل قبيلة يبتدئ اسمها ببني مثل بني ورياغل هي من قبائل البربر، وكل قبيلة يبتدئ اسمها بأولاد مثل أولاد جامع هي عربية الأصل.
وقد كان لهذا الزحف العربي الثاني الكبير آثار بعيدة المدى في حياة المغرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، ولا تزال هذه الآثار تطبعها إلى الآن، ويلاحظ بادي ذي بدء أن هذه الآثار كانت سلبية في النصف الشرقي من البلاد، أي إلى منتهى ما بلغه العرب في زحفهم الأول وهو المغرب الأدنى بأسره وما حاذاه من شرق المغرب الأوسط، فقد انقض الأعراب على تلك البلاد كالطوفان الغامر واللهب المتأجج والجراد الكاسح ينسفون المدن ويخربون القرى