ويغورون الآبار ويعذقون الأشجار ويمعنون في قتل السكان دون تمييز بين محارب ومسالم، ولا بين رجل وامرأة، وكبير وصغير، حتى تقلصت بوصولهم إلى ذلك الجزء من أرض المغرب ظلال الحضارة وذوت أدواح المدنية وأصبحت حواضر برمتها كانت مفخرة من مفاخر الإسلام ومأثرة من مآثر العروبة مثل القيروان وقلعة بني حماد وطنبة والمسيلة وغيرها خرابا ويبابا، وغاض معين العلم والأدب والفقه والتأليف والتصنيف في تلك الجهة بعد ما كانت يناييعها فياضة وأسواقها رائجة ومعاهدها عامرة، وهذا ما جعل أهل البلاد قاطبة عربهم وبربرهم تنقبض صدورهم من وصول هؤلاء الأعراب، وتتعوذ ألسنتهم لمجرد ذكرهم، حتى انبرى مؤرخ عربي وطني نبيه هو عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي يحمل عليهم وعلى أمتهم تلك الحملات العنيفة ويحكم عليهم وعليها أحكاما قاسية في تاريخه متأثرا مما عاين من آثار وحشيتهم وثمار همجيتهم.
أما النتائج الإيجابية فهي كثيرة أيضا، ومن أهمها أن البلاد المغاربية أخذت شكلها القومي الجديد، وصارت لها لغة جديدة يتخاطب بها العوام بعد أن كان استعمال اللغة العربية مقصورا على الدواوين الرسمية وبعض الحواضر التي أنشأها عرب الفتح وترعرعت في حضن العروبة، ومن الثابت تاريخيا أن اللغة البربرية بقيت هي السائدة في المغربين الأقصى والأوسط إلى الزحف الثاني الكبير، وأن خطب الجمع في حاضرة عربية مثل فاس، وفوق منبر جامع إسلامي كبير مثل جامع القرويين كانت تلقى باللغة البربرية إلى ما بعد قيام دولة الموحدين، ولكن دخول العرب هذه المرة جعل السيادة للغة العربية على جميع بلاد المغرب، كما جعل أهل البلاد الأصليين تتلاقح دماؤهم بدماء عناصر قوية جديدة تشترك معهم في كثير من خلال الحسن وخصال السوء، فكان لذلك أكبر تأثير على الأجيال المغربية التي ولدت فيما بعد جسمانيا وفكريا.
ونحن عندما نقول اللغة لا نعني بها لغة القرآن الفصيحة المعربة، وإنما نعني بها العربية العامية التي نتحدث بها الآن، فالعرب الذين دخلوا إلى المغرب في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي وأعطوه طابعه القومي الحالي لم يكونوا يتكلمون لغة فصيحة معربة ولا كان آباؤهم يتكلمونها قبل قرون، وإنما كانوا