للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما رواه ابن خلدون (١) أن حاكم طرابلس الغرب المنتصر بن خزرون حينما قدم بنو هلال وبنو سُلَيْم تألفهم واتخذ منهم حلفاء فساعدوه على توطيد حكمه وتوسيع رقعة سلطانه.

وليس ما تقدم كل ما كان لبني سُلَيْم من حيوية ونشاط، فقد سجل لهم التاريخ من ذلك شيئا كثيرًا في عهود دول الموحدين والمرينيين والحفصيين والزيانيين، وكان من أسباب نزوح فريق كبير منهم إلى المغرب الأقصى وانتشارهم فيه كما كان من أسباب تمكنهم في المغربين، وقد رأينا من المفيد أن ننوه بذلك في هذا المقام استيفاء للكلام عنهم.

فمن أحداثهم أن عبد المؤمن أول خلفاء الموحدين حينما قضى على الدولة الزيرية الصنهاجية التي كان معظم بني هلال وبني سُلَيْم ينتشرون في أرضها اجتمع زعماء بعض هذه القبائل وتحالفوا على التعاون والتضافر ومقاومة عبد المؤمن إذا هو حاول إخضاعهم لسلطانه كما فعل بالصنهاجيين، واتصل الخبر بروجار صاحب صقلية فأرسل إلى أمراء العرب وهم محرز بن زياد وجبارة بن كامل وحسن بن ثعلب يعرض عليهم إمدادهم بخمسة آلاف مقاتل على شرط إرسال الرهائن فأجابوه بأنهم ليسوا في حاجة إلى مدده، ثم أخذوا يستعدون للمقاومة، وبلغ الخبر عبد المؤمن فسيَّر حملة هاجمتهم على حين غرة فانهزموا فاستولى الموحدون على أموالهم ومواشيهم ونسائهم وأولادهم، واستاقوهم إلى عبد المؤمن، وعني هذا بالأولاد والنساء وأرسل إلى أمراء العرب يطمئنهم ويدعوهم إليه لاستلامهم ويبذل لهم الأمان والكرامة، فسارع فريق كبير من هذه القبائل إلى مراكش حيث وفّى عبد المؤمن لهم بما وعد وعوضهم عما خسروه فاسترق قلوبهم وأقاموا على كثب منه يبذلون جهودهم في توطيد دولته، وكانوا عمدة الجيش الموحدي في عهد عبد المؤمن وخلفائه وأبلوا بلاء حسنا في مجاهدة الإفرنج في الأندلس، وقد نموا وتكاثروا وانتشروا في أنحاء المغرب الأقصى المختلفة (٢).

ومن ذلك ما كان لهم من نشاط في سياق ثورة ابن غانية البربري في أواخر


(١) ج ص ٣٩ - ٤٤.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٥ - ٢٢٧ والاستقصاء ج ١ ص ١٣٩ - ١٥٩ و ١٦٥ - ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>