للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرن السادس الهجري وفي زمن الدولة الموحدية بعد عبد المؤمن، فقد ثار هذا ثورة عاتية في المغرب الأوسط فتضامن معه بعض الفروع التي تخلفت في هذا المغرب من بني سُلَيْم وبني هلال فلما انتصر المنصور الموحدي عليه سنة ٥٨٤ هـ في إحدى الجولات نقل كثيرا منهم إلى المغرب الأقصى أيضًا فكان النزوح الثاني لهم من المغرب الأوسط في عهد هذه الدولة (١).

ومع هذين النزوحين منهم إلى المغرب الأقصى فقد ظل منهم في المغرب الأوسط (الجزائر) فروع كثيرة نمت وصارت في عدد وافر وقوة معتدة حتى كانت لهم جباية الجانب الشرقي من أوراس وكثير من أنحاء أوراس الشرقية وحتى كادوا أن يكونوا دولة داخل دولة وجعلهم هذا يشعرون بقوتهم ويشمخون بأنوفهم.

ولقد هال هذا الملك المريني أبا الحسن حينما وطد سيادته على المملكة الحفصية في أواسط القرن الثامن الهجري ففكر في خضد شوكتهم فثارت حميتهم وجمعوا جموعهم واشتبكوا معه في معركة حامية هزموا جيوشه فيها هزيمة شديدة واستولوا على مضاربه وما فيها من عدد ومتاع وسلاح ومؤن، ولجأ الملك إلى القيروان فتبعوه ففر منها بحرا إلى تونس فجاءوا إليها وحاصروه فيها، واغتنم الملك الحفصي الذي خلعه الفرصة فزحف بأنصاره على تونس بدوره متضامنا مع العرب مما جعل الملك المريني يجد نفسه في مأزق ولم ير مخرجا منه إلا أن يركب البحر ويعود إلى بلاده، وقد عصفت الريح بمراكبه حتى غرق معظمها ولم ينج هو وبعض خاصته ويصلوا إلى مراكش إلا بعد عناء وأهوال (٢).

ومما روي من صور نشاطهم أن جماعات عديدة من بني هلال عادوا فانضموا إلى ابن غانية حينما استأنف نشاطه بعد المنصور فتمكن بذلك من الاستيلاء على قسم كبير من المغرب الأوسط إلى أن وصل إلى طرابلس فاجتمع عليه هناك عرب ذباب من بني سُلَيْم فنهض بهم إلى جبل نفوسة فملكه ثم فتح طرابلس وما وراءها والمنطقة المعروفة بالجريد، وكان في هذه المنطقة فروع أخرى من بني سُلَيْم وبعض فروع قبائل عربية أخرى منضوية إليهم مثل جشم ورياح


(١) ص ١٦٥ - ١٧٢ الاستقصاء ج ١ وابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٠ - ٢٤٦.
(٢) ابن خلدون ج ٧ ص ٢٥٢ - ٢٨٨ والاستقصاء ج ٢ ص ٥٧ - ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>