قال ابن الكلبي: وكان أول الأمر جُهَيْنة في مسيرهم إلى جبالهم وحلولهم بها فيما حدثني أبو عبد الرحمن المدني عن غير واحد من العرب: أن الناس بينما هم حول الكعبة إذ هم بخلق عظيم قد آزى رأسه أعلى الكعبة فأجفل الناس هاريين، فناداهم ألا تراعوا فأقبلوا إليه وهو يقول:
لا هم رب البيت ذي المناكب
ورب كل راجل وراكب
أنت وهبت الفتية السلاهب
وهجمة يُحار فيها الحالب
وثلة مثل الجراد السارب
متاع أيام وكل ذاهب
فنظروا فإذا هي امرأة فقالوا: ما أنت إنسية أم جنيَّة؟ قالت: لا بل إنسية من آل جُرهُم أهلكنا الذر زمان يعلم بمجحفات وبموت لهذم للبغي منا وركوب المأثم.
ثم قالت: من ينحر لي كل يوم جزورا ويعد لي زادًا وبعيرا ويبلغني بلادًا قورا - أي واسعة - أعطه مالًا كثيرا .. فانتُدب لذلك رجلان من جُهَينة فساروا بها أياما حتى انتهت إلى جبل جُهَيْنة، فأتت على قرية غل وذر فقالت: يا هذان احتفرا هذا المكان، فاحتفرا عن مال كثير من ذهب وفضة فأوقرا بعيريهما، ثم قالت لهما: إياكما أن تلتفتا فيُخْتَلس ما معكما، قال: وأقبل الذر حتى غشيهما فمضيا غير بعيد فالتفتا فأخْتُلِس ما كان معهما من المال وناديا هل من ماء؟ قالت: نعم انظرا في موضع هذه الهضاب ثم قالت وقد غشيها الذر: