وقال هبيرة بن عمرو النهدي القُضَاعي وهو يذكر قبائل مَذْحِج وخَثْعَم وتنمرهم لهم وتواعدهم إياهم:
وكِنْدة تهذي بالوعيد ومَذْحِج … وشَهْران من أهل الحجاز وواهب
قال الراوي: ونزلت خَثْعَم السراة قبل، فكثرت بطون جَرْم ونِهْد بها وفصائلهم فتلاحقوا فاقتتلوا وتفرقوا وتشتت أمرهم ووقع الشر بينهم وفي ذلك يقول أبو ليلى النهدي وهو خالد بن الصقعب (جاهلي):
أتعرف الدار قفرًا أم تحييها … أم تسأل الدار عن أخبار أهليها
دار لنهد وجَرْم إذ هم خُلّط … إذ العشيرة لم تشمت أعاديها
حتى رأيت سراة الحي قد جنحت … تحت الضبابة ترمينا ونرميها
وأصبح الود والأرحام بينهم … زرق الأسنة مجلوزًا نواحيها
إذ لا تشايعني نفس لقتلهم … ولا لأخذ نساء الهون أسبيها
فلحقت نهد بن زيد ببني الحارث بن كعب فحالفوهم وجامعوهم، ولحقت جَرْم بن ربان ببني زُبيد فحالفوهم وصاروا معهم، فنسبت كل قبيلة مع حلفائها يغزون معهم ويحاربون من حاربهم حتى تحاربت بنو الحارث وبنو زُبيد في الحرب التي كانت بينهم فالتقوا وكان على بني الحارث عبد الله بن عبد المدان وعلى بني زبيد عمرو بن مَعْد يكرب الزبيدي، فتعبى القوم فعُبيَّت جَرم لنهد وتواقع الفريقان فاقتتلوا فكانت الدبرة يومئذ على بني زبيد وفرَّت جَرْم من حلفائها من زبيد، فقال عمرو بن مَعْد يكرب في ذلك وهو يذكر جَرْفا وفرارها عن زبيد قائلًا:
لحا الله جَرْمًا كلما ذر شارق … وجوه كلاب هارشت فازبأرت
ظللت كأني للرماح درية … أقاتل عن أبناء جَرْم وفرَّت
ولم تغن جَرْم نِهْدُها إذ تلاقتا … ولكن جَرْمًا في اللقاء ابذعرَّت
ومعنى ابذعَرَّت .. أي تفرقت.
فلحقت جَرْم بنهد وحالفوا بني الحارث وصاروا يغزون معهم إذا غزوا ويقاتلون معهم من قاتلوا، فقال في ذلك عمرو بن مَعْد يكرب .. قال ابن الكَلْبي: