للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت بنو طيئ قد أغارت على بني عبس فأصابوا منهم وقتلوا أنفارًا من الحي وسبوا نساءً كثيرة، وكان عنترة معتزلًا عنهم في ناحية من إبله على فرس له فمر به أبوه فقال: ويك يا عنترة كُرَّ، فقال عنترة: العبد لا يحسن الكر وإنما يحسن الحلب والصر، فقال كرّ وأنت حر. فكرّ وحده وهبت في أثره رجال عبس فهزم السرية المغيرة واستنقذ الغنيمة من أيديهم وقال في ذلك:

عقاب الهجر أعقب لي الوصالا … وصدق الصبر أظهر لي المحالا

عتِبْتُ الدهر كيف يُذلُ مثلي … ولي عزم أقُدُّ به الجبالا

أنا الرجل الذي خُبِّرت عنه … وقد عاينت مع خبري الفعالا

غداة أتت بنو طيئ وكلبٍ … تهز بكفها السُّمر الطوالا

بجيش كلما لاحظت فيه … حسبت الأرض قد ملئت رجالا

وداسوا أرضنا بمضمرات … فكان صليلها قيلًا وقالا (١)

تولوا جفَّلا منا حيارى … وفاتوا الظعن منهم والرحالا (٢)

وما حملت ذوو الأنساب ضيمًا … ولا سمعت لداعيها مقالا

وما ردَّ الأعنة غير عبدٍ … ونار الحرب تشتعل اشتعالا

بطعن ترعد الأبطال منه … لشدته فتجتنب القتالا

صدمت الجيش حتى كلّ مُهري … وعدت فما وجدت لهم ظلالا

وراحت خيلهم من وجه سيفي … خفافا بعد ما كانت ثقالا

تدوس على الفوارس وهي تعدو … وقد أخذت جماجمهم نعالا

وكم بطل تركت بها طريحًا … يحرك بعد يمناه الشمالا

وخلّصت العذارى والغواني … وما أبقيت مع أحدٍ عقالا

كانت أمه زبيبة كثيرًا ما تعنِّفه على ركوب الأخطار في الوقائع والحروب خوفًا عليه من القتل فتذكَّر كلامها يومًا وهو في بعض المعامع فقال:


(١) المضمرات: الخيل.
(٢) تولوا جفَّلًا: هربوا فزعين خائفين، وفاتوا الظعن والرحال: تركوا النساء والبعير الذي يحملها ويحمل المؤن، وفروا ناجين بأنفسهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>