للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُشم يومئذ دريد بن الصِّمة الجُشَمي، فأرسل قيس بن زهير وكان سيد عبس يستنجد عنترة فأبى وامتنع. ولما عظم الخطب على بني عبس خرجت إليه جماعة من نساء القبيلة من جملتهن الجمانة بنت قيس، فلما قدمن عليه طلبن أن ينهض معهن لمقاومة العدو وإلا انقطعت العشيرة وتشتت شملها. فاحتمس ونهض من وقته طالبًا ديار قومه وأنشأ يقول:

سكتُّ فغرَّ أعدائي السكوت … وظنُّوني لأهلي قد نسيت

وكيف أنام عن سادات قومٍ … أنا في فضل نعمتهم ربيت (١)

وإن دارت بهم خيل الأعادي … ونادوني أجبت متى دُعيت (٢)

بسيفٍ حدُه موج المنايا … ورمحٍ صدره الحتف المميت (٣)

خُلقت من الحديد أشد قلبًا … وقد بلى الحديد وما بليت

وإني قد شربت دم الأعادي … بأقحاف الرءوس وما رويت (٤)

وفي الحرب العوان وُلدِتُ طفلًا … ومن لبن المعامع قد سُقيت (٥)

فما للرمح في جسمي نصيب … ولا للسيف في أعضاي قوت (٦)

ولي بيت علا فلك الثريا … تخر لعظم هيبته البيوت

وقال عند خروجه إلى بلاد العراق في طلب النوق العصافيرية مهر عبلة:

أيا عبلُ مني بطيف الخيال … على المستهام وطيب الرقاد

عسى نظرة منك تحيي بها … حشاشة ميت الجفا والبعاد

وحقِّكِ لا زال ظهر الجواد … مقيلي وسيفي ودرعي وسادي (٧)


(١) ربيت: يريد عنترة أنه تربى ونشأ في فضل قومه.
(٢) دارت بهم خيل العدو: أحدقت وأحاطت بهم.
(٣) موج المنايا: يريد أن سيفه يفتك بالأعداء فتكًا ذريعًا، وكأنه في حركته بحر هائج لا نجاة من موجه العنيف القاتل، وصدر الرمح: رأسه. والحتف: الموت والأجل المحتوم.
(٤) الأقحاف: جمع مفرده قحف بكسر أوله: وهو العظم الذي يكون في الجمجمة فوق الدماغ، ويطلق على ما تصدع من الجمجمة.
(٥) الحرب العوان: حامية الوطيس، والمعامع: من أسماء الحرب.
(٦) يقصد أن جسمه لم يبق فيه موضع لم يُصب.
(٧) المقيل: موضع القيلولة، يريد أنه لا يبرح جواده.

<<  <  ج: ص:  >  >>