وبالنظر إلى ما ساقه لنا الهمداني مما تقدم، ثم بقول آخر له في نفس "الإكليل" ذكر أن ما تبقى من حرب يهزمون قبائل مُزينة وعَنَزة وسُليم ويجلونهم من ديارهم ولا يدخلونهم بعض المواضع في الحجاز إلا بذمامهم، فهذا هو الأمر العجيب؛ لأن المدة الزمنية ما بين عودة الفروع المقهورة إلى اليمن من حرب وبين الفروع الباقية التي فعلت الأفاعيل لا تتعدى قرنا من الزمان، وهذا طبعًا لا يقره عقل ولا منطق ويجعلنا نحتاط من أوهام الهمداني في روايته العجيبة التي نقلها عن راوٍ واحد في زمانه لم يعرفه إلا هو!
ولقد علَّق العديد من الباحثين في المملكة العربية السعودية والأردن على مزاعم الهمداني سنوردها تباعًا، وحتى نضمن الحيادية، فسوف نعرض أقوال الشيخ حمد الجاسر والأستاذ فايز البدراني الحربي المؤيدين للهمداني. وأقول رأيي الأخير في هذه الطبعة من المجلد الثالث من الموسوعة إنه بعد تعمقي فيما قاله الأطراف جميعًا وبعد المناظرة والمصاولة العلمية أستطيع أن أقول بكل اطمئنان: إن الصورة التي نقلها لنا الهمداني خاطئة برمتها عن حرب ولا يعني سيطرة حرب على مزارع الأشراف في القرن الثالث حسب ما أورد البلخي وابن خلدون أنها قهرت القبائل العدنانية كلها كما صور لنا الهمداني في سرده بالإكليل.
وأرى أن حربا لم تبدأ بالسيطرة على بعض طريق الحج والتحكم به إلَّا في القرن الثامن الهجري، وقد زادت السيطرة في القرن العاشر بعد أن خلا لها الجو بعد هجرات قبائل لام من طيئ وعنزة من ربيعة من حول المدينة النبوية وانتقالهم إلى العراق والشام وشمال نجد وشرقها.
لم تبق إلّا قبائل سُليم والتي تعرضت لحروب ضارية من أشراف مكة أدى إلى هجرات قسم قوي منها إلى بلاد الخليج وأهمها بني عُتبة (١) من خفاف وهم آل بن على وغيرها من الفروع الأخرى في بلاد القصيم.
(١) بني عُتبة ذكرهم أبو على الهجري في كتاب "التعليقات والنوادر" آخر القرن الثالث وأول الرابع الهجريين من خفاف من سُليم وآل بن على أهم فروعهم لديهم وثائق ومخطوطات تؤكد نسبهم لبني سُليم بن منصور العدنانية.