أقول: وهكذا يتبين بوضوح أن نص ابن شبَّة لا يتعارض مع نص الهمداني، لكن أبا عبد الرحمن أوقع نفسه بهذا الالتباس بسبب تحامله على الهمداني وسوء فهمه لعباراته!.
هذا بالنسبة للوجه الأول، أما الوجه الثاني فيمكن الرد عليه بما يلي:
أ - أن الهمداني لا يقصد أن مجموع بني حرب في ذلك الوقت ستمائة رجل فقط، وإنما المقصود أن الذين حضروا تلك الوقعة وقاتلوا عَنَزة الموجودين في قدس وليس كل قبائل عَنَزة.
ب - أن عددهم الحقيقي رُبَّمَا كان أكثر من ذلك لكن الراوة أحيانا يبالغون في تصوير الانتصارات فيقللون عدد أفراد القوة المنتصرة ويبالغون في كثرة عدد خصومها، وقد يكون الهمداني وقع في هذا الخطأ من غير قصد. كما أن الرقم يوحي بأن المقصود المقاتلة وليس كل أفراد القبيلة؛ لأن الأفخاذ الذين ذكر الهمداني أنهم نزحوا من اليمن لا يمكن أن يكونوا ستمائة فقط.
ج - أن ما ذكره الهمداني من أنهم أجلوا بعض القبائل الأخرى، فمن الواضح أن ذلك لم يتم في نفس اليوم الذي كانوا فيه ستمائة، وإنما تم التغلب بعد ذلك بأزمان الله أعلم بها، حيث يستفاد من كلام الهمداني أن بني حرب وصلوا إلى الحجاز في القرن الثاني الهجري، فليس من المعقول أن يظل عددهم ستمائة شخص وهو يقول عنهم في القرن الرابع: وغلبوا على طريق مكة إلى المدينة فلم يسرها أحد منهم إلا بخفارتهم. . . إلخ.
د - أن وضع القبائل العربية في تلك المنطقة في القرنين الثاني والثالث قد تأثر كثيرًا بالظروف المتغيرة للدولة الإسلامية حيث انزاحت القبائل العدنانية مع الفتوحات الإسلامية أولًا ثم تأثرت بالصراعات السياسية ثانيًا ولم تحتفظ بقوتها السابقة، مما أتاح لهذه القبيلة اليمنية القوية أن تستغل هذا الضعف وأن تنتصر ببداوتها وشراستها على رِقَّة القبائل الحجازية التي أَلَان الإسلام حدَّتها وكسر الإيمان شوكتها خاصة عندما يكون الخصم مسلما!.