هـ - مع افتراض عدم صحة الاحتمالات السابقة، فهل يغيب عن أبي عبد الرحمن قول الحق تعالى: {. . . كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ. . . (٢٤٩)} [البقرة: ٢٤٩].
الأمر الرابع: يستشهد أبو عبد الرحمن للتدليل على ما عبَّر عنه بـ (أكاذيب الهمداني) بما ذكره عن ابن ملاحظ سلطان مكة، حيث يرى أن هذا السلطان غير معروف لدى المؤرخين، وأقول: إن هذه الحجة لا يقوم الدليل بها، وذلك أن هذه الحقبة الزمنية من تاريخ ولاة مكة كامضة جدًّا بسبب التدهور السياسي وعدم استقرار الأوضاع في مكة لسلطان معيَّن، وهذا ما أكَّده مؤرخو مكة ومنهم الأستاذ أحمد السباعي حيث يقول:(. . . ومَرَّ عهد المعتضد والمكتفى والمقتدر إلى أن كان عام ٣١٧ هجري من عهد القاهر في فترة شِبْه مجهولة لأن مؤرخي مكة يذكرون أن ولاة مكة في هذا العهد لم يُعرف منهم سوى (عج بن حاج) و (مؤنس الخادم) و (ابن ملاحظ) و (ابن مخلب). . . إلخ) "تاريخ مكة" ص ١٦٨.
أقول: وهكذا فإن السباعي الذي ينقل عن مؤرخي مكة مثل ابن ظهيرة في "الجامع اللطيف" ودحلاد في "خلاصة الكلام" والفاسي في "شفاء الغرام" وغيرهم، لم يشر إلى ما يناقض رواية الهمداني بل إنهم يعتمدونها، وهم مَنْ هُمْ في معرفة تاريخ مكة وأمرائها.
كما ذكر مؤلف "اتحاف فضلاء الزمن" - مخطوط - أن أمير مكة سنة ٣١٠ هـ محمد بن مُطْعَم.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى وعلى افتراض أن ابن ملاحظ غير موجود، فلا يستبعد أن يكون ذلك تصحيفا لابن محارب أو ابن مخلب أو ابن مُطْعَم الذين ذكرهم المؤرخون من ولاة مكة في هذه الفترة الغامضة.
الأمر الخامس: أن استناد أبي عبد الرحمن على ابن الكلبي وابن حزم ومن نقل عنهما إنما هو استناد ضعيف واحتجاج كريب، فكون ابن الكلبي لم يذكر حربًا الحجازية فلأنه كوفي لا يستغرب عليه جهله بالقبائل اليمانية، كما أن عدم علمه بهذه القبيلة لا يقتضي عدم وجودها، وخاصة أنها حديثة عهد بالمنطقة، وعهده متقدم على انتشارها في الحجاز وشهرتها (توفي ابن الكلبي سنة ٢٠٤ هـ).