ولنأخذ قبيلة سُليم التي ذكر الهمداني أن حربا هزمت بعض فروعها فقد أجمع المؤرخون أن سُليم بن منصور العدنانية كانت في أوج قوتها في بلاد الحجاز ما بين الحرمين في القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة، فهذا ابن جرير الطبري يقول في تاريخه عن سُليم في أحداث عامي ٢٣٠ هـ، ٢٣٢ هـ:
ففي عام ٢٣٠ هـ قال الطبري: أن بني سُليم كانت تطاول على الناس حول المدينة النبوية بالشر، وكانوا إذا وردوا سوقًا من أسواق الحجاز أخذوا سعرها كيف شاءوا، ثم ترقى بهم الأمر إلى أن أوقعوا بالجار (١) بناس من بني كنانة وباهلة في جمادى الأخرة سنة ثلاثين ومئتين، وكان رأسهم عُزيرة بن قطّاب السُّلَمي، فوجه إليهم أمير المدينة محمد بن صالح الهاشمي قائد مسلحة المدينة حماد بن جرير الطبري في جماعة من الجند، ومن تطوع للخروج من أهل المدينة، فقاتلهم بالرويثة على ثلاث مراحل من المدينة، وكانت بنو سُليم وأمدادها في ستمائة وخمسين، وعامة من لقيهم من بني عوف من سُليم، ومعهم أشهب بن دويكل بن يحيى بن حِمْير العوفي، وعمه سلمة بن يحيى، وعُزيرة بن قطّاب اللبدي، من لبيد من سُليم، وكانت خيلهم مئة وخمسين فارسًا، فقاتلهم حماد وأصحابه، ثم أتت سُليم أمدادها، فانتصرت على حماد ومن معه، فقُتل ومن معه وحازت بنو سُليم السلاح والكراع والثياب، وغلُظ أمرهم، فاستباحوا القرى والمناهل فيما بين مكة والمدينة، حتى لم تمكن أحدًا أن يسلك تلك الطريق، فوجه إليهم الخليفة الواثق (العباسي) بُغا الكبير التركي في الشاكرية والأتراك والمغاربة، فقدم المدينة في شعبان سنة ثلاثين ومئتين، فشخص إلى حرَّة بني سُليم لأيام بقين من شعبان فكانت الوقعة من وراء السوارقية، وهي قريتهم التي يأوون إليها وهي حصون، وكان جُلُّ من لقيهُ من بني عوف، فيهم عُزيرة بن قطاب، والأشهب، وهما رأسا القواد يومئذ، فهزمهم بُغا وقتل نحو خمسين رجلًا، وأسر مثلهم، ودعاهم بعد الوقعة إلى الأمان على حكم أمير المؤمنين الواثق وأقام بالسوارقية فأتوه
(١) وهو ميناء بلاد الحرمين في ذلك الوقت على بحر القلزم (الأحمر).