بين الحرمين ولا صولة لغيرها وقتئذ سواء حرب أم أية قبائل أخرى والنص واضح لا غموض فيه .. ومحايد لا شك فيه.
ثم نتساءل أين كانت قبيلة حرب القاهرة للقبائل كما وصفها الهمداني، أين كانت وسُليم تفعل الأفاعيل وتصول وتجول على المدينة النبوية وتنهب القوافل وتعتدي على الحاج وعلى الجار ميناء الحجاز وتقتل كنانة وباهلة؟ وما دامت حرب كما وصفها الهمداني صاحبة الحول والطول وتدخل القبائل العدنانية إلى الحجاز بزمامها، لماذا لم تقف في وجه سُليم ما دامت قد بلغت من الطغيان ما بلغت وقد أخذت أسعار الأسواق في الحجاز كيفما شاءت، وقد استباحت القرى والمناهل ما بين الحرمين وطغت على البلاد والعباد، فلو كانت حرب كما يدّعي الهمداني موالية للخليفة العباسي وتأخذ الخفارة على الطريق ما بين مكة والمدينة لشاركت القائد حماد بن جرير الطبري قتال بني سُليم مع من تطوع معه من قريش والأنصار، ولربما كانت قد منعت عنهم الهزيمة الساحقة التي كان من ضحاياها القائد ابن جرير نفسه .. وحقا لو كانت حرب بمثل ما صورها لنا الهمداني لما كلف الخليفة العباسي عام ٢٣٢ هـ بغا الكبير التركي بجيش ضخم من بغداد ليُخضِّد شوكة سُليم وكما تقدم في النص الذي سقناه للطبري. ونحن هنا بهذا النقد لا ننكر وجود قبيلة حرب في القرن الثالث الهجري في مواضع بالحجاز مثل الفرع أو غيرها قد استولوا عليها من الجعافرة كما ذكر البلخي وابن خلدون وغيرهما.
ولكن ننكر ونعترض بقوة على تهويل وتضليل الهمداني في عهده آخر القرن الثالث وأول الرابع الهجري أن حربا هي القوة الرئيسية بين الحرمين .. فكيف نصدّقه وقد شذ عمن عاصره من المؤرخين المشهورين. ولم أر في أي مرجع طول عهد الدولة العباسية الذي زاد عن خمسة قرون ونصف قرن اسم رجل من قبيلة حرب له بروز في قيادة جيش من جيوش العباسيين التي وصلت إلى ما وراء النهرين شرقًا واسطنبول غربًا. أو عالم حربي في أي علم أو شاعر معروف، وهذا