فأخبرهم بالخبر، فقطعوا أحمال الإبل بالسيوف (الفراد والقروز) وتوجهوا للحكومة وأخبروها أن تجارتها في موضع كذا وأن إبلهم قد سُرقت، فعرضت عليهم الحكومة المساعدة والسلاح فأبوا وتزودوا بالبارود والرصاص (الرش) وضربوا أكباد الإبل خلف القوم الذين كان مضى عليهم يوم وليلة ونصف اليوم الذي هم فيه. سار العوازم البضعة والثلاثون لا يألون جهدًا خلف القوم في وادي قنا غير أنهم يعرفون أن العدو يفوقهم بكثير؛ لذا قرروا أن يسبقوا القوم وأن يكمنوا لهم في الفرطلة وهي - كما قلت - على مسيرة يوم شمال (أسيوط) بالصحراء الشرقية، وهذا المكان يضيق فيه الوادي حتى يصير مرمى حجر - ومن الجدير بالذكر أن وديان الصحراء الشرقية تحفها الهضاب العالية من الجانبين - فإن استطاعوا أن يصلوا الفرطلة قبل القوم فقد ضمنوا القوم وإبلهم وثأرهم. وإن وصل قبلهم القوم واجتازوها فأجدر بهم ألا يحاولوا اللحاق بهم وإلا فهي النهاية لهم.
اتفق العوازم (١) على هذا الأمر، وقيل الذي أشار به عودة بن رشدان الجابري عقيد القوم فسلكوا الوديان الجانبية الموازية لوادي قنا يطوون المسافات طيا. حتى وصلوا الفرطلة ليلا فتبينوا أثر المسير فلم يجدوا شيئًا فحمدوا الله أن القوم لم يصلوا بعد، فخبأوا إبلهم في التلاع المجاورة للفرطلة وكمنوا على أتم استعداد بالبارود والسيوف يترقبون قدوم القوم، وفي الصباح نظروا فإذا المبشر الأول يطوي الأرض طيا وسط الوادي ليبشر القوم في (المينا) و (حماضة) بنجاة الإبل فلم يلفت نظره شيئا وتركه العوازم لشأنه، وبعد وقت جاء المبشر الثاني وكان من الأشراف فاعترضوه وأحاطوا به فعرف أنهم العوازم. واستخبروه عن عدد القوم وعتادهم. فقال: وكم عددكم أنتم؟ قالوا: نحن بضعة وثلاثون رجلا. قال: يا عرب (بحر