للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم خرج عنهم وهو مُغْضب، ومضى مُسرِعًا على فرس له عُرْي (١)، حتى إذا نظر إلى مجلس بني عامر نزل تحت شجرة حيث يرونه، فأرسلوا إليه يَدعونه، فقال: لست فاعلًا، ولكن إذا رحلت فائتوا منزلي فإن الخبر فيه.

فلما جاءوا منزله، إذا تراب في صُرَّة وشوك قد كسر رءوسه وفرَّق جهته، وإذا حنْظلة موضوعة، وإذا وَطْبٌ معلقٌ فيه لبن؛ فقال الأحوص: هذا رجل قد أُخِذت عليه المواثيق ألا يتكلم، وهو يخبركم أن القوم مثل التراب كثرة، وأن شوكتهم كليلة، وجاءتكم بنو حنظلة. انظروا ما في الوطب، فاصطبُّوه (٢)، فإذا فيه لبن قارص (٣). فقال: القوم منكم على قدر حِلاب اللبن إلى أن يَحْزُر.

ثم دعا الأحوصُ قيس بن زهير العبسي، فقال له: ما ترى؟ فإنك تزعم له لم يعرض لك أمران إلا وجدتَ في أحدهما الفرج؟ فقال قيس: فإذ قد رجعتم إلى رأيي فأدخلوا نَعَمكم شِعْبَ جَبَلَة، ثم أظْمِئُوها هذه الأيام ولا تُوردوها الماء، حتى يجيء القوم فإن لقيطًا فيه طيش وسيقتحم الجبل، وحينئذ أخرجوا عليهم الإبل، وانخسوها بالسيوف والرماح، فتخرج مَذَاعير عِطَاشًا، فتشغلهم وتُفرِّق جَمعهم؛ واخرجوا أنتم في آثارها، واشْفُوا نفوسكم.

فقال الأحوص: نِعْم ما رأيت؛ وأخذوا برأيه.

وعاد كرب بن صفوان فلقي لقيطًا، فقال له: أَأَنْذَرْتَ القوم؟ فأعاد الحلف له أنه لم يكلم أحدًا منهم؛ فخلى سبيله، فقالت له ابنته دختنوس - وكان لقيط يصحبها في غزواته، ويرجع إلى رأيها: رُدني إلى أهلي، ولا تُعَرِّضْني لعبس وعامر فقد أنذرهم لا محالة؛ فاستحمقها، وساءه كلامها، وردَّها.

وفيما هم سائرون قابلهم غلام أَعْسر (٤)؛ فتشاءمت به بنو أَسَد، وقال بعضهم لبعض: ارجعوا عنهم، فرجعوا، ولم يسر مع لقيط منهم إلا نفر يسير.


(١) فرس عري: لا سَرْج عليه.
(٢) اصطبوه: أراقوه (منْ صَبَّ).
(٣) قارص: حامض.
(٤) الأعسر: الذي يعتمد على يده اليسرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>