للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما وصل بنو تميم وأحلافهم إلى شعب جَبَلَة حيث بنو عامر وعَبْس، قال الناس للقيط: ما ترى؟ فقال؟ أرى أن تَصعدوا إليهم؛ وأقبل لقيط وأصحابه مجترئين، فأسْندوا (١) إلى الجبل حتى ذرَّت الشمس، ثم أخذوا في الصعود. فقالت بنو عامر للأحوص: قد أتَوْك، فقال: دَعُوهم؛ حتى إذا أنْصفوا الجبل (٢) وانتشروا فيه؛ قال الأحوص: حلوا عُقُل الإبل ثم اتبعوا آثارها، وليُتبع كل رجل منكم بعيره حجرين أو ثلاثة.

ففعلوا، ثم صاحوا بها فخرجت تُحطِّمُ كل شيء مرَّت به وخَبطت تميمًا ومن معها وانحطوا منهزمين في الجبل حتى السهل، ولما بلغوا السهل لم يكن لأحد همَّةٌ إلا أن يذهب على وجهه، وجعلت بنو عامر ومن معهم من عبس يقتلونهم، ويصرعونهم بالسيوف في آثارهم، وانهزموا شر هزيمة.

وجعل لقيط لا يمرُ به أحد من الجيش الا قال: أنت والله قتلتنا! جعل يقول:

يا قوم قد أحرقتموني باللوْم … ولم أُقاتل عامرًا قبل اليوم

فاليوم إذ قاتلتهمْ فلا لوْم … تقدموا وقدِّموني للقوْم

ثم ركب لقيط فرسه، وزجَّ بنفسه للعِرَاك، فطعنه شريح العامري، وارتثَّ وبه طعنات، وبقي يومًا ثم مات.

وأما حاجب بن زُرارة فقد ولى منهزمًا، فتبعه زَهْدَم وقيس ابنا حزن العبسيان، وجعلا يطردانه، ويقولان له: اسْتَأسِر - وقد قدرا عليه - فقال: من أنتما؟ فقالا: نحن الزَّهْدمان (٣)، فقال: لا أَسْتَأسر اليوم لمولَيَيْن.

وبينما هم كذلك إذ أدركهم مالك ذو الرُّقيبة العامري. فقال لحاجب: استأسر، قال: أنا مالك ذو الرُّقيبة. فقال: أفعلُ لعمري، ما أدركتني حتى كِدتُ أن أكون عبدًا، وألقى إليه رمحه، واعتنقه زَهْدم فألقاه عن فرسه. فصاح حاجب: يا غَوثاه! وجعل زَهْدم يُراوغ قائم السيف، فنزل مالك واقتلع زهدما عن حاجب.


(١) أسندوا: صعدوا في الجبل.
(٢) أنصفوا الجبل: وصلوا إلى نصفه.
(٣) الزهدمان: زهدم وقيس، كما في اللسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>