الشعوب العربية، وخاصة مع قبائل العرب في مصر والشام على مدى ثلاثة قرون قاتمة بالظلم حالكة بالبطش والقهر. وقد انتهى حكم هؤلاء الطغاة باحتلال الأتراك العثمانيين الغاشم للبلاد العربية عام ٩٢٣ هـ ذلك الاستعمار الطويل الذي جثم على صدر الأمة قرابة أربعة قرون، وسعى جاهدًا في طمس تاريخ ومجد العرب، وحوَّلهم إلى جثة هامدة لا حول لهم ولا قوة، وفي نهاية الأمر وجدهم الاستعمار الأوروبي الصليبي البغيض لقمة سائغة، فزحف بجيوشه الجرارة ووسائطه القتالية المتقدمة وأسلحته العصرية الفتَّاكة، وقد سفك دماءهم ونهب خيراتهم بلا شفقة أو رحمة، وظل هذا الاستعمار مُتسلطًا على مقدرات الأمة سنوات طويلة، وتقاعس الأتراك الذين يدينون بالإسلام - والإسلام بريء من أفعالهم وخزاياهم - عن مناصرة العرب، وتركوهم في ساحة الجهاد وحدهم، بإمكانياتهم المحدودة وأسلحتهم المتواضعة، حتى نالوا استقلالهم وحريتهم وعزتهم، بدماء عدة ملايين من الشهداء الأبرار. وخذل الله هؤلاء الأتراك وانتهت إمبراطوريتهم العثمانية الشاسعة، وسقطت خلافتهم على المسلمين إلى الأبد - فلكل ظالم نهاية -.
وما هدفت هنا أيها القارئ العربي العزيز من إبراز هذه اللمحة المبسَّطة، إلا لتبيان فداحة كارثة تاريخ أمتنا المجيدة، وأفول نجم العرب مئات من السنين، والسبب الأول كان من البداية كامنًا في سياسة البطش والعنف من آل العباس بقبائل الجزيرة العربية (١) - العمود الفقري للأمة كلها - وعلى رأسها قبائل قيس عيلان المُضَرية، التي سعت الخلافة العباسية في بغداد إلى إضعافها وحصارها وتشتيتها في الأمصار الإسلامية.
وما قبيلة هُتيم التي مثِّل بها، وقد لحقتها المهانة والتشهير من أمير عسير، إلا الجزء اليسير من هذا الظلم وذلك القمع الذي لحق بهذه القبائل العزيزة، التي كان على كاهلها مع بقية قبائل الجزيرة العربية فتح البلاد شرقًا حتى حدود الصين، وغربًا حتى حدود فرنسا من بلاد الإفرنج، وهزيمة أكبر إمبراطوريتين في التاريخ هما إمبراطوريتي الفُرس والروم.
(١) وسياسة البطش لم يسلم منها بنو هاشم أنفسهم، ومن لا خير له في أهله لا خير له في الناس، وقد ذكر أبو فرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين أن خلفاء بني العباس قتلوا ٧٦ رجلًا من سلالة السبطين (الحسن والحسين) وبعضهم مات بطريقة بشعة بأمر هؤلاء الخلفاء، في حين أن بني أمية لم يقتلوا من سلالة السبطين مع الإمام الحسين وضمنهم بني جعفر وعَقِيل سوى ٢٣ رجلًا في كربلاء.