من تُسوِّل له نفسه من بقية هذه القبائل القيسية المتمردة، التي جُبلت على الغزو والنهب والسلب وشَنَّ الغارات وزرع الفوضى وإثارة القلاقل في شبه الجزيرة العربية، إلى جانب ما لعبته من دور هام في مؤازرة القرامطة الذين أنشأوا دولة في شرق الجزيرة خارج سلطان الخلافة العباسية (١)، وقد كانت هذه القبائل الساعد القوي لهؤلاء الرافضة، الذين دأبوا في تمزيق كيان الدولة العباسية، ونشر الرعب والفزع في ربوع البلاد العربية، قرابة قرن ونصف قرن من الزمان.
وذاع الأمر في بلاد العرب عن هُتيم الكلابيين من بني عامر، وارتبط في وقتئذ في ذهن الجميع - خطأ - أن هُتيم هم القرامطة أهل الفساد في الأرض، وهم سُرَّاق الحجر الأسود من الكعبة المُشرَّفة، وهم قادة وأدلة وسيوف ابن قرمط المسلولة على رقاب العباد، وإلَّا لماذا حكم عليهم أمير عسير بكل قسوة بهذا الحكم الغريب والعجيب والخطير، من لبس الملابس السوداء وعدم ركوب الإبل والخيول واستبدالها بركوب الحمير حينًا من الدهر؟
وقد كان أثر هذا الحكم الجائر مريرًا على بني هُتيم، وأقول: جائر وشاذ وزره على هذا الأمير يوم القيامة؛ لأنه حطَّ من شأن عرب عدنانيين أقحاح - من ذرية نبي الله إسماعيل - عليه السلام. وعن فعال هُتيم مع القرامطة في غزو عسير أو غيرها، فهم لم يفعلوا شيئًا أعظم عند الله ممن فعله قبلهم من العرب المسلمين، ومن عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد تنبأ - أي ادعى النبوة - بعض الأشخاص كمُسَيلمة الحنفي في اليمامة والأسود العنسي في اليمن وطُليْحة الأسدي وسجاح التميمية في نجد، وقد تبعهم بعض القبائل والبطون العدنانية أو القحطانية فلم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقاطعة هذه القبائل أو التشنيع عليها، ولما انتقل عليه الصلاة والسلام إلى جوار ربه بقي هؤلاء واستفحل أمرهم بعد أن ارتدت معظم قبائل العرب عن الإسلام، وقد قاتلهم الصدِّيق - رضي الله عنه - بكل جسارة وصدق إيمان، وقال قولته المشهورة:"والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لقاتلتهم عليه حتى يؤدونه بعد وفاته". وانطلقت جيوش المسلمين يقودهم سيف الله المسلول - خالد بن الوليد - وانقضوا على المرتدين وهزموهم
(١) بعد قيام أمر القرامطة ونجاحهم في تكوين دولتهم قد شجَّع معظم الأقاليم في الانفصال عن العباسيين مثل ابن بويه في فارس وابن طباطبا من الأشراف في اليمن وسيف الدولة الحمداني التغلبي ومن بعده ابن مرداس الكلابي في حلب وابن طولون ومن بعده الإأخشيد في مصر، حتى جاءت الدولة الفاطمية واستولت على مصر والشام قادمة من بلاد المغرب.