قريب أو من بعيد، وحتى بعض بطون العرب التي دعا عليها النبي صلى الله عليه وسلم - أو حاربها، لم تكن هُتيم منها إطلاقًا، وهذه البطون من قبائل العرب عندما دخلت في الإسلام عفا عنها - صلى الله عليه وسلم - بل قرَّبها إليه.
وهنا لنا وقفة من موضوع المقاطعة مع هُتيم من قبائل العرب - أي امتناع هذه القبائل من مصاهرة بني هُتيم، سواء أخذ نسائهم أم تزويج رجالهم. فنقول: إن هذه المقاطعة الفريدة على عرب ومسلمين (؟!)، تشبه مقاطعة بني هاشم من قبيلة قريش وتحريضها لقبائل العرب في الجزيرة على ذلك بصفة عامة، وقد نفذوا هذه المقاطعة عدة سنوات بعهد مكتوب في صحيفة علَّقوها في جوف الكعبة، وكانت تنص على عدم مصاهرة هذا الحي - بنو هاشم - لا يُنكحونهم ولا يَنكحون منهم، إلى جانب عدم المتاجرة سواء بالبيع أم بالشراء مع أفراد هذا البطن من قريش، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر كرامته لنبيِّه محمد بن عبد الله الهاشمي - صلى الله عليه وسلم -، فأوحى إليه أن الله تعالى قد سلَّط الأرضة على الصحيفة، فأكلتها وأكلت كل ما فيها من قطيعة للرحم والقربي والظلم والجور علي بني هاشم والمسلمين، ولم يبق في الصحيفة سالمًا إلا (باسمك اللهم)، فلما تبيَّن الأمر لعقلاء قريش أخرجوا الصحيفة قهرًا عن أبي جهل وحزبه، وأنهوا تلك المقاطعة الظالمة، وسار المعاندون والمشركون بعد أن زادهم ذلك شرًّا وغيظًا إلى طريق آخر للكيد للرسول - صلى الله عليه وسلم - والسعي إلى قتله - كما هو معروف - ويأبى الله إلا أن يظهر دينه وينصر نبيه، ويُبطل كيد الغادرين.
ولو نظرنا إلى هذه المقاطعة القاطعية علي بني هاشم - رهط النبي المختار - صلى الله عليه وسلم - لوجدنا أنها أقوى من مقاطعة بني هُتيم؛ لأنها علي بني هاشم لا تتضمن عدم المصاهرة معهم فحسب، ولكنها تتضمن عدم المتاجرة والتي لو استمرت لكانت ستؤدي ببني هاشم إلى الموت جوعًا.
وهنا فهذه المقاطعة علي بني هاشم والتي قررتها قبيلة قريش عليهم ليست بسبب وضاعة في الأصل، كلا فبنو هاشم من أشرف وأوسط قريش نسبًا، كما أنها أيضًا ليست بسبب سوء الخصال أو فعل القبيح، كلا - وحاشا لله - أن يوصم الهاشميون بذلك، وقد شرَّفهم المولى عز وجل واختارهم سبحانه من خيرة بني عدنان ومن قُرعة بني إسماعيل (من قريش) ليخرج المصطفى الهادي الأمين منهم ويُنسب إليهم.