للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن فهذه المقاطعة إنما هي قائمة على أسباب تمس الدين والعقيدة التي أُرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - لتغييرها لأنها باطلة، ورغم هذا اعتبر كفار ومشركو قريش - وفتئذ - أن المساس بهذه العفيدة مصيبة كبرى وكارثة عظمى، وفعلوا من أجل التمسك بها الأفاعيل، وسلكوا كل درب كي يقضوا على دين الحق الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن بين هذه الدروب التي سلكوها هي تلك القاطعة الظالمة مع بني هاشم. وكذلك أيضًا فمقاطعة القبائل العربية لقبيلة هُتيم من حيث عدم مصاهرتها - رغم عدم مشروعية هذه المقاطعة - فهي لأسباب دينية في الأصل، وذلك بسبب انجراف هذه القبيلة مع القرامطة حتى بعد تفرُّق معظم قبائل قيس عيلان عنهم في العقد الثامن من القرن الرابع للهجرة. والقرامطة أرادوا العبث بقبلة الإسلام وتجرأوا عليها؛ بأن انتزعوا الحجر الأسود من جوف الكعبة عنوة وقهرًا، وقد كانوا بذلك الجُرم العظيم في رأي جماعة المسلمين في جميع الأمصار، كفار متزندقين، منذ أن ظهروا بالفساد في بلاد الإحساء عام ٢٨٦ هـ (١)، وحتى انتهى أمرهم وقطع الله دابرهم من جزيرة العرب (٢).


(١) انظر تاريخ الطبري ج ٥ ص ٦٣٠، وقال الطبري: كان ظهور أمر القرامطة في بلاد البحرين -يعني الإحساء- على يد أبي سعيد الجنابي، فانضم إليه عدد من قبائل العرب من بني سُلَيم وبني هلال وغيرهم، وذكر ابن خلدون قبائل أخرى من هوازن وخاصة من عامر بن صعصعة مثل كلاب وعُقيل.
(٢) والظاهر أن انتهاه أمر القرامطة قد كان تدريجيا، ويرجح في العقد السابع من القرن الخامس الهجري بعد غزو عسير بنصف قرن. وكان أول من هزم جيوشهم في الشام العزيز بالله الفاطمي، ثم توالت عليهم الهزائم في عقر دارهم من الأصفر في بلاد البحرين، وكان ذلك ما بين عامي ٣٦٥ هـ و ٣٨٧ هـ.
وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٩ ص ٥٨، ٥٩ أن الأصفر قد تمكن من القرامطة في بلاد البحرين (الإحساء والقطيف) في عهد العزيز الفاطمي الذي حكم مصر من سنة ٣٦٥ هـ إلى سنة ٣٨٦ هـ.
قلت: وقول ابن الأثير هنا لا يعني أن القرامطة قد انتهوا تمامًا بل يعني أنهم هُزموا لأول مرة في عقر دارهم، بعد أن هُزموا في بلاد الشام على يد العزيز بالله، الذي نقل أشياعهم من سُليم وهلال إلى مصر في أواخر القرن الرابع للهجرة.
وفي كتاب علي بن مقرب العيوني (ص ٤٥) أكد الدكتور علي بن عبد العزيز الخضيري أن أمر القرامطة لم ينته حتى حلول عام ٤٦٧ هـ في منطقة القطيف بشرق الجزيرة العربية، وكانت لهم قوة ظلت تهدد حكم العيونيين من عبد القيس لهذه المنطقة، وأوضح أن العيونيين قضوا على بقايا القرامطة بمساعدة الإمدادات التي أتتهم من الحجاز عام ٤٦٧ هـ.
ومن نصوصه أن قال الخضيري: "إلى المهاجر خالد بن خالد بن الوليد ينتسب العمائر أحد فخوذ بني خالد الرئيسي في منطقة القطيف، فقد وفدوا على منطقة القطيف عام ٤٦٧ هـ ضمن الدعم الذي أرسل للعيونيين - ضد القرامطة - من الحجاز، وما أن وصلوا حتى انتشروا في المنطقة ورعوا في باديتها وتسلموا من العيونيين أمر خفارتها. (انتهى).=

<<  <  ج: ص:  >  >>